مما لا شك فيه ان تجربة النائبات الكويتيات الأربع اللاتي خضن معركة الانتخابات البرلمانية الأخيرة وخرجن منها منتصرات بفوزهن بأربعة مقاعد من مجلس الأمة هي تجربة جديرة بالدراسة من قبل قوى الحركة النسائية البحرينية بوجه خاص والقوى السياسية المناصرة لحقوق المرأة السياسية بوجه عام، لكن وكما ذكرنا يوم أمس فان دراسة تجربة خوض المترشحات الاربع الفائزات في الانتخابات الكويتية للاستفادة بحرينيا مما يمكن الاستفادة منه من عوامل صنعت نجاح معركة الانتخابات النيابية، لا تعني بالضرورة ان السيناريو الكويتي يمكن ان يتكرر في البحرين، فعلى الرغم من تشابه ظروف مجتمعنا السياسية والاجتماعية والثقافية مع المجتمع الكويتي فإن ثمة ظروفا وخصائص متباينة يتميز بها كل مجتمع على حدة، ومن ذلك على سبيل المثال اختلاف النظام الانتخابي بين البلدين، واختلاف التوزيع الفئوي الديني على دوائر المحافظات، واختلاف مدى قوة وتأثير ونفوذ رجال الدين والنخبة الدينية عامة في كلا البلدين، واختلاف في دور ووزن القوى السياسية ودرجة تنظيمها بين كلا البلدين، فدورها مثلا في البحرين اكبر مما هو في الكويت واكثر تأثيرا في الناخب، واختلاف في توزيع ونوعية الطبقات والشرائح الاجتماعية واختلاف في امكانيات ووسائل الحملات الانتخابية.. إلخ.
ومن خلال متابعاتي الشخصية للصحف الكويتية حول الحملات والدعاية الانتخابية للمترشحات للانتخابات البرلمانية لاحظت تركيزا لدى أغلبهن في جانب ما يحملنه من مؤهلات علمية عالية اكثر من التركيز في برامج انتخابية سياسية مميزة واضحة المعالم وتعكس نضجا ووعيا سياسيين كبيرين والماما معرفيا سياسيا معمقا لسبل التغيير السياسي، وان كانت حملات بعضهن لا تخلو من بعض الشعارات السياسية التي تعكس شيئا من ذينك النضج والوعي السياسيين.
وعلى هامش ندوة انعكاسات الازمة المالية العالمية على الصحافة الخليجية التي انعقدت في “الدبلومات” تجاذبت أطراف الحديث مع الدكتور عبدالله النيباري حول قضايا سياسية آنية عديدة، وكانت من ضمنها هذه القضية، أعني العوامل التي كانت وراء فوز اربع نساء من أصل 16 امرأة في الانتخابات الأخيرة، وكان بدوره يبرز دور ذلك العامل أيضا ألا هو المؤهلات العلمية والعليا للمترشحات الأربع الفائزات، وهذا ما لاحظته بعدئذ في طرح المترشحتين الفائزتين اسيل العوضي ورولا دشتي خلال الندوة التي استضافتهما فيها جمعيتا “وعد” و”المنبر التقدمي”، وذلك حسب التغطيات الصحفية المحلية للندوة. هذا الى جانب ما عدده النيباري لي، ثم الفائزتان دشتي والعوضي في الندوة المذكورة، من عوامل اخرى أسهمت في صنع ذلك الفوز التاريخي الباهر على نحو ما ذكرته العوضي في الندوة، كاستياء الناخبين وتململهم على حد تعبيرها من اداء المجلس السابق وصراعاته ومهاترات التيارات الاسلامية فيه مع الحكومة على امور ثانوية وتافهة على حساب قضايا الناس ومعاناتهم الاساسية.
وفي المقابل، وطبقا للعوضي ذاتها، فان خطاب المترشحات لم يكن خطابا تقليديا، بل كان يقدم حلولا للمشاكل في المجتمع. وهذا نفسه ما اكدته من جانبها رولا دشتي في الندوة ذاتها “خطابنا كان له تأثير في الناخب الكويتي حيث عملنا على مغادرة الخطاب القديم القائم على اللوم والتململ من الاوضاع، والتوجه نحو المستقبل والتغيير، والتأكيد ان نهضة البلد لن تقوم إلا بيد الناخبين…” (الوقت 30/5/2009).
وهنا فان السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء العوامل التي فسر بها كل من النيباري واثنتين من الفائزات الأربع في ندوة “وعد” و”التقدمي” فوزهن: هل تكفي مثل تلك العوامل لو حدثت موضوعيا أو عملت المترشحات البحرينيات في الانتخابات المقبلة على تحقيق بعضها الآخر لصنع المعجزة نفسها التي حققتها نظيراتهن المترشحات الكويتيات الأربع؟
ثم ألم تكن ثمة مترشحات في الانتخابات النيابية الأولى عام 2002، والثانية عام 2006، يمتلكن مؤهلات علمية عليا ويملكن شعارات برامج تغيير سياسية حقيقية جادة بل تقف وراءهن قوى سياسية عريقة ومع ذلك فشلن في الانتخابات؟ أولم يكن ناخبونا في انتخابات 2006 قد ملوا من اداء المجلس النيابي الأول وكانوا يرغبون في التغيير وكانت المترشحات يملكن خطابا جديدا غير تقليدي ومع ذلك فشلن في الانتخابات؟
لذا قلنا ان تغير مزاج الناخب الكويتي في الانتخابات الاخيرة، الذي أفضى الى نجاح أربع من 16 مترشحة ليس بالضرورة ان ينسحب على مزاج الناخب البحريني ليحقق فوز واحدة أو أربع من مترشحات انتخابات 2010 المقبلة، وذلك لاختلاف وتفاوت الظروف والأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية بين البلدين وان بدرجات متفاوتة بين مجمل تلك الظروف والاوضاع على النحو الذي بيناه آنفا.
ثم السؤال: على أي أساس اذًا جذبت الكويتيات الأربع الفائزات الناخبين للتصويت لهن؟ هل لمجرد انهن نساء وينبغي توصيل المرأة الى البرلمان لتمكينها من المشاركة السياسية؟ هل لمجرد انهن “ديكورات” أي يمتلكن مؤهلات علمية من جامعات اكبر دولة في العالم في التفوق العلمي (الولايات المتحدة)؟ فمثل هذه المزايا في تقديري لا تكفي لتغيير مزاج الناخب البحريني فهذه عوامل في أحسن الاحوال مساعدة. أما العوامل الاساسية الاخرى فهي برامج وشعارات الناخبات ومدى توافقها مع مصالح اكبر شرائح اجتماعية مهمة، دع عنك عوامل الكبح والعرقلة التي ستلعبها قوى دينية وطبقية ورسمية لإسقاطهن إما بسبب أفكارهن وبرامجهن وإما للنظرة الدونية للمرأة وإما تبعا لانتماءاتهن السياسية الفكرية وقربهن من المعارضة أو الموالاة.
وحينما سألت النيباري في دردشتي معه: الى من ستنحاز النائبات الأربع تحت قبة مجلس الامة الجديد؟ هل الى جانب قوى التغيير الديمقراطية والوطنية المعارضة في الساحة السياسية؟ ام الى جانب قوى التزمت والتطرف الدينيين؟ ام الى جانب الحكومة؟ أجابني بأنهن جميعهن منفتحات ولسن متزمتات، لكن سياسيا، وباستثناء الفائزة اسيل العوضي الاقرب الى التيار الديمقراطي، فانه يصعب عليه التكهن بمواقف وآراء وخيارات الفائزات الثلاث الاخريات في المجلس القادم.
مهما يكن فان امام الحركتين النسائية البحرينية والسياسية المناصرة للمرأة معركة انتخابية ضارية معقدة جدا وحامية الوطيس ينبغي ان تباشرا فورا الاستعداد لها من الآن ليس لإيصال المرأة الى مجلس النواب القادم فحسب، بل الإيصال اكبر عدد ممكن من القوى الديمقراطية غير الطائفية.
صحيفة اخبار الخليج
4 يونيو 2009