كان العمال هم الذين بنوا المصانع، وحولوا أوروبا المتخلفة إلى قارة تملك الدنيا!
ثم كان حصادهم قليلاً!
وقالت الرأسمالية الشرقية: (الطبقة العاملة قائدة النضال من أجل الاشتراكية!) ثم خربوا هذه (الاشتراكية) وعاد العمال إلى بيوتهم الصغيرة والبطالة والتسول أكثر بؤسا من عمال الغرب!
وقالت الرأسمالية الحكومية الدينية الشرقية: (العمالُ هم أكثر المضحين في الثورة الإسلامية)، فكانوا هم القتلى على خطوط النار، والمتحملين للغلاء والفقر والبطالة!
ومازال العمال يخدعون.
ونسوهم بعد الثورات والتضحيات وأنزلوهم من طبقات الأحلام العالية إلى حضيض الأرض.
يتناغم حضور الطبقات العمالية مع نضالية الفئات الوسطى حين تدخل الفئات الأخيرة في عمليات تغيير تاريخية كبيرة، وعبر استعمال الأخيرة أدوات دكتاتورية سياسية وفكرية، تقوم بتعبئة العمال لمصلحة صعودها.
ثمة فوائد مشتركة للجانبين، لكن العمال سوف يدفعون هم الجهد الأكبر والتضحيات، وإذا لم يشكلوا أدواتهم المدافعة عن مصالحهم، فسيبجدون أنفسهم في النهاية في حالات فقر مدقع.
العمال هم في تطور التاريخ من سيكونون القوى المستمرة في النضال والبحث عن التغيير فهم ليس عندهم سوى أجورهم، ومن لديه أكثر من ذلك سوف ينضم لحركات المالكين السياسية.
(الحرية، الاخاء، المساواة)، صرخة البرجوازية الفرنسية، لغة سياسية مجردة، تفضي إلى تغيير عالم ديني محافظ ذي طوائف وامتيازات مجحفة للأقلية، والشعارات ذاتها تشكيل لمجتمع تهيمن عليه عبر العلاقات الاقتصادية الرأسمالية من دون هيمنة قطاع حكومي.
(الماركسية – اللينينية، الماوية، الكاستروية الخ)، شعارات البرجوازية الشرقية أو اللاتينية ذات الرأسمالية الحكومية وهي تشكل نهضة مغايرة لنهضة البورجوازية الغربية لكنها مماثلة لها في صعود النظام الرأسمالي الحكومي الشرقي وبأدوات الدكتاتورية، حسب الدول وتجاربها ومستويات تطورها.
(الطائفيات الإسلامية) صرخات لصعود البورجوازية الطائفية لتشكيل أنظمة رأسمالية حكومية بأدوات دكتاتورية بهذا المستوى من القمع أو ذاك، بتقزيم أكبر للعمال والنساء وللحريات. وهي طائفيات لأنها تعجز عن التوحيد الاجتماعي للمواطنين في مثل هذه اللحظة التاريخية المشتركة.
بعد كل فترة تحالفية اجتماعية التي تسودُ فيها أدواتُ التخدير الايديولوجية، وهي تتماثلُ من حيث النصوصية الدينية اللاعقلانية وغياب النقد وشخصنة السياسة وعبادة الأفراد، تصعدُ الفئاتُ التي استحوذت على الثورات – الثروات، وتنفصلُ عن العمال وهي القوى التي تطوعتْ لخدمة مستغلِيها نظرا لعوامل التخدير السابقة الذكر والمهمات الطبقية والوطنية المشتركة، وتجدُ نفسَها في وضع متدنٍ فقير وهو من الناحية الفكرية مزر، وقد فقدت أدواتها النقابية والرقابية، وتشكلت طواقم انتهازية فيها، تضعُ قدما هنا وقدما هناك، بغية استمرار الاستغلال والتغييب السياسي للعمال.
وخلال الفترة الطويلة لغياب العقل العمالي المستقل، حسب تجارب الدول والأمم، تكون العودة للنضال أصعب، بعد عقود من التبعية.
هذا إذا لم تدخلْ العمالَ القوى المسيطرة في مغامرات الحروب وكوارث التسلح، وهي كلها من جهودهم.
وغالبا ما يتضررُ العمالُ اقتصاديا من وضع الرأسماليات الحكومية وهي تـُخرجُ شياطينها من داخلها، أي حين تبيعُ شركات القطاع العام، وحين تعلن انفصالها عن الايديولوجيات الشمولية التي صنعتها وجيّرتها واعتبرتها مقدسة، وتعود لقانون السوق المرفوضة سابقا، وهو أمرٌ يعني ترك العمال في ظروفهم المتدنية، وتشغيل آليات الأسعار غير المسيطر عليها حكوميا، ويجرى التداولُ الحرُ للنقد والبضائع، وتوضع القطاعات العامة التي صنعوها خلال عقود في مجرى البضائع المتحركة في السوق الداخلية ولصيد أرباب العمل من الخارج، فيكتشف العمالُ مدى تدني قوى عملهم التي تباع من خلال بطالة واسعة وحريات تنقل كبيرة للعمال المهاجرين.
في أزمنة وجود القطاعات العامة رغم كل فسادها وبيروقراطيتها تكون لهم فسحٌ من درس وتنظيم لكن أغلبها يضيع بسبب جهل أغلبية العمال لكون الرأسمالية الحكومية عابرة، لن تظل إلى الأبد، وسوف تتحول إلى بضائع خاضعة لأسعار السوق، وهم في هذه الأثناء كانوا يتبعون قوى البورجوازية الصغيرة الشمولية، مجيّرين لمشروعات سياسية أكثر من الدفاع عن مصالحهم المستقلة، وهي المشروعات التي فككت صفوفهم، وجمدت مداركهم، ثم سوف تتسارع عمليات نمو الرأسمالية في كل بلد، حتى تصير عواصف تلف الشرق بقوة واسعة.
صحيفة اخبار الخليج
4 يونيو 2009