في المقال الذي كتبته هنا قبل نحو أسبوعين تحت عنوان “المرأة.. والتغييرات الوزارية العربية” أشرت الى أن لا ضير من تعيين عدد محدود من النساء وزيرات في التشكيلات الوزارية الخليجية، مادمن يتمتعن بالكفاءة الحقيقية التي تشهد لهن الدولة والمجتمع بغالبيته العظمى، حتى لو كان تعيين كهذا لا يعكس بالضرورة درجة نضج المجتمع أو تمتع النساء بالمشاركة السياسية وبالمساواة والحقوق الكاملة.
وذكرت أيضا أنه لربما جاء مثل هذا التعيين، اذا ما تم التشديد مقدما على متطلبات الكفاءة والخبرة في الوزيرة التي يقع عليها الاختيار، واختيار الحقيبة الوزارية التي تناسبها ومن ثم أثبتت جدارتها في المنصب، فإن ذلك سيكون عاملا مساعدا على تغيير وعي الفئات الاجتماعية التي تشكك في جدارة النساء لتولي المناصب الوزارية ولو تدريجيا، وبالتالي نستطيع القول بناء على هذه الفرضية ان عاملاً من عوامل نجاح معصومة المبارك في الانتخابات الكويتية الأخيرة انها أثبتت جدارتها كوزيرة في قيادة عدة وزارات ومنها وزارة الصحة، على الرغم، كما ذكرنا، أن هذه الوزارة في كل الدول العربية من أكثر الوزارات الخدمية التي تعج بالمشكلات والأزمات العويصة المتراكمة.
والحال ثمة عوامل عديدة سياسية واجتماعية متشابكة أدت الى فوز النساء الأربع، فعلاوة على العامل المذكور فيما يتعلق بفوز المبارك فإن لا أحد باعتقادي يمكنه ان يماري في أن الامكانيات المادية للمرشحات الكويتيات اللاتي خضن الانتخابات الأخيرة لا تقارن البتة بإمكانيات مرشحاتنا حتى بافتراض تلقيهن دعما رسميا، فالفائزات الأربع جميعهن من خريجي الولايات المتحدة، وجميعهن على ما يبدو ينحدرن من عوائل ميسورة ثرية.
ومن نافلة القول ان قوة الحملة الانتخابية من عوامل الفوز، فكلما تعاظمت إمكانيات وأموال الحملة الانتخابية للمرشحة عزّز ذلك الى جانب عوامل أخرى من فرص فوزها ولاسيما حينما توظف تلك الإمكانيات والأموال في تنظيم أكبر حملة إعلامية ضخمة ذكية ومؤثرة لصالح المرشحة بمختلف الوسائل.
ولعل هذا العامل الموضوعي يقودنا الى قضية أخرى تتصل بمدى قدرة المرشحات الأربع الفائزات بعدئذ على تمثيل مصالح مختلف الشرائح الاجتماعية، سواء من بنات جنسهن أم من كلا الجنسين معا داخل البرلمان. وكيف سيترجم مدى عمق وعيهن السياسي والاجتماعي في الاصطفافات البرلمانية حول القضايا السياسية والاقتصادية والمعيشية الكبرى التي تهم السواد الأعظم من شعبهن وهذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.
ولعل من مفارقات هذا الفوز التاريخي الذي حققته المرأة الكويتية، بالرغم من ان البحرين والكويت تتشابهان كثيرا في تاريخ وعراقة الحركة السياسية والحركة النسائية في كل منهما، فإن الانتصار الانتخابي الذي حققته الحركة النسائية الكويتية، بدا أشبه بالانتصار المخملي الفوقي ان صح القول، منه الى الانتصار الملحمي الاجتماعي الجماهيري الصعب. ومكمن المفارقة الظاهرية هنا ان الحركة النسائية الكويتية حققت هذا التفوق الانتصاري على شقيقتها الحركة النسائية البحرينية على الرغم مما قدمته وتقدمه هذه الأخيرة على امتداد نحو 60 عاما ونيفا من تضحيات جسيمة وهائلة لا تقارن البتة بتضحيات الحركة النسائية الكويتية.
وهنا نصل الى بيت القصيد في موضوعنا وذلك بالسؤال عما اذا يشكل الانتصار النسائي الانتخابي الكويتي الأخير حافزا قويا لأن تحقق المرأة البحرينية فوزا مماثلا ولو بمقعد واحد أو مقعدين؟
وعلى الرغم مما يجمع الكويت والبحرين من أوجه تشابه في الكثير من الظواهر السياسية والاجتماعية فإن ثمة تباينا في تركيبة كلتيهما الاجتماعية والطبقية، ناهيك عن التفاوت الكبير في الدخل القومي لكلا البلدين، وفي الأجور بين مختلف فئات وطبقات كلا البلدين، ومن هنا فإنه في الوقت الذي لا يستطيع المرء الجزم من الآن بتحقيق المرأة البحرينية في الانتخابات النيابية المقبلة اختراقا مهما في نتائجها، فإنه ينبغي أيضا ألا نفاجأ اذا ما تكررت مأساة هزيمة المرأة البحرينية في الانتخابات القادمة بعدم فوزها ولو بمقعد واحد كما حدث في الدورتين السابقتين، وذلك لعدة أسباب منها:
أولا: لقد لعبت كل من الحكومة الكويتية والنخبة الليبرالية والمرشحات الفائزات أنفسهن دورا كبيرا بمختلف الوسائل، وعلى الأخص من خلال التمويل السخي لحملاتهن الانتخابية، وهذا ما لا يتوقع ان يكون بمقدور الأطراف النظيرة البحرينية أن تضاهي الكويتية فيه.
ثانيا: ان أهم قوى بحرينية تستطيع ان تلعب دورا محوريا في فرز ومساعدة المرشحات القديرات ودعمهن بكل السبل هي القوى الليبرالية واليسارية، على اختلاف انتماءاتها، وهذه القوى هي نفسها مازالت تعاني، للأسف، الوهن والتفتت وتفتقر الى العناصر الشبابية التي تشكل جيوش حرب حماسية مقاتلة في المعارك الانتخابية الضارية، كما تفتقر الى العناصر النسائية الشعبية غير النخبوية، فقد أضحت معظم أو كل عناصرها النسوية الشعبية السابقة عناصر نخبوية معزولات القواعد الشعبية النسائية.
ثالثا: ان الحركة النسائية أيضا هي الأخرى ورغم انتزاعها حق تشكيل منظمتها النسائية، فإنها تعاني الضعف والتفتت وتفتقر الى الوجود القوي الفاعل في صفوف الغالبية العظمى من النساء، وعلى الأخص الشابات ولاسيما في القرى المعروفة بكثافتها السكانية.
رابعا: ان كل القوى السياسية ممثلة في الجمعيات السياسية مازال التمثيل النسائي فيها ضعيفا إن في جمعياتها العمومية أو في قياداتها وخاصة في الجمعيات السياسية الدينية.
على أية حال ليس من السابق لأوانه التنبؤ بفوز المرأة بأي مقعد في الانتخابات المقبلة فحسب، بل من السابق لأوانه أيضا التنبؤ بحظوظ فرص فوز أهم قوى نصيرة لها ممثلة في القوى اليسارية والليبرالية. والأهم من كل ذلك فمن السابق لأوانه أيضا التنبؤ بنسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات القادمة، وهذا عنصر مهم من العناصر التي يمكن البناء عليها لتوقع فوز المرأة البحرينية. لكن تظل النتائج الكويتية جديرة بالتأمل لاتعاظ ما يمكن اتعاظه منها.
صحيفة اخبار الخليج
3 يونيو 2009