الحق في حرية التعبير والتظاهر والاحتجاج وممارسة أشكال الضغط والتعبير السلمية المتعارف عليها يجب أن يكون مضموناً، بل إن مثل هذه الفعاليات تقدم دليلاً على حيوية المجتمع ويقظة قواه المدنية والسياسية إزاء القضايا المختلفة. ولدينا في البحرين تراث نعتز به في هذا المجال، ومهم أن تكون هذه الفعاليات في إطار القانون ووفق ضوابطه، لكن التشريعات يحب ألا توضع للرد الفوري على مظاهرة حدثت هنا أو هناك خرجت فيها الأمور عن السيطرة، وإنما توضع بأفق مستقبلي يراعي جوهر الحق والحريات، ويحول دون سوء استخدام هذا الحق. الأمور تؤخذ بالمنظور النسبي، فحجم الحريات المتوقعة في بلد مثل البحرين يجب أن يكون أكبر من بلدان أخرى لا تمتلك الديناميكية السياسية والاجتماعية والفكرية التي تتسم بها بلادنا، والمتوقع من الصحافة أن تواكب هذه الحيوية، لكن العقبات في وجه ذلك كثيرة، وفي مقدمتها أن قانون المطبوعات والنشر والمعمول به قانون لا يليق بمستوى الحريات المتاحة في البلد بعد المشروع الاصلاحي. فالقيود التي يتضمنها هذا القانون كثيرة جداً، وهي قيود على أساسها اقتيد للمحاكم رؤساء تحرير صحف ومحررون، بل إن هذا المرسوم بقانون ينص على حبس الصحافيين، وهي عقوبة تخلى عنها الكثير من الحكومات التي عرفت بالصرامة في التعاطي مع الصحافة. ويبدو غريباً أننا في الوقت الذي نذهب فيه إلى إصدار صحف جديدة ما يدعم التعددية الإعلامية في البلاد، فإن البنية التشريعية التي تنظم العمل الإعلامي والصحافي عندنا مازالت بنية محافظة ومقيدة ومثقلة بالكوابح والممنوعات. ولا تقل خطورة عن ذلك تلك «القوانين» غير المكتوبة المستقرة في الأذهان والتي يجري اعتمادها قواعد في تحديد ما هو الممكن وما هو غير الممكن في العمل الصحافي، أي ما هي الحدود التي يجب عدم الاقتراب منها. إنها حدود غير مكتوبة، ولكنها أشد صرامة من تلك المكتوبة. لم تعد أشكال الرقابة، في صورها المكتوبة: أي المنصوص عليها قانوناً، أو تلك التي تحتكم إلى الأمزجة أو إلى القوانين غير المكتوبة، قادرة على منع تدفق المعلومات. لذا بات ملحاً أن تتطور التشريعات المتصلة بالموضوع ممثلة في قانون المطبوعات والصحافة والنشر. اتساع نطاق هذه الحريات هو الذي سيوفر إمكانيات تطوير العمل السياسي في جوانبه المختلفة من أجل تحقيق الإصلاحات الدستورية والتشريعية وبناء مؤسسات المجتمع المدني وتطوير الحياة الحزبية حتى تُرسى على قواعد وأسس ثابتة، ولتكون ضمانة من ضمانات الحياة الديمقراطية التي توفر آليات ومناهج حل الاحتقانات والاختلافات بالآليات الديمقراطية نفسها، تأكيداً على المقولة الذهبية التي تقول بأن حل مشاكل الديمقراطية هو بالمزيد من الديمقراطية. وليس العكس كما يحاول البعض القول، فما أن تنشأ بعض الصعوبات أو التوترات حتى تعلو أصوات هذا البعض مطالباً بالعودة إلى الإجراءات الصارمة والترحم على مرحلة قانون أمن الدولة. إن مساحة الحريات السياسية المضمونة بتشريعات تقدمية والمُسيجة بالمجتمع المدني الواعي والحريص على المصلحة الوطنية وعلى استقرار البلاد وعلى الوحدة الوطنية هي ضمانات التنمية الحقة وضمانات التطور الهادئ.
صحيفة الايام
3 يونيو 2009