نزعم أن الضجة التي أُثيرت حول قرار وزير العمل المتعلق بإلغاء نظام الكفيل، ما كانت لتكون بهذا الصخب، لولا أن القرار جاء مباشرة في أعقاب الاحتجاجات الصاخبة التي صدرت عن شرائح واسعة من قطاعات الأعمال، لاسيما منها الصغيرة والمتوسطة على خلفية البدء في تحصيل رسوم العمل البالغة 10 دنانير شهرياً عن كل عامل أجنبي تستخدمه الشركات والمؤسسات الخاصة. فقد يكون توقيت القرار (إلغاء نظام الكفيل) غير موفق. ولكن ليس هذا هو المهم، فالمقاومة متوقعة على أية حال كما أسلفنا في المقال السابق، لما تنطوي عليه من آثار سلبية على رواد الأعمال الصغيرة والمتوسطة. المهم أن القرار سينهي وضعاً غير إنساني ظل يطبع سوق العمالة الأجنبية في البحرين والخليج عموماً. وفي الواقع هنالك إشكاليتان في الموضوع، الأولى إجرائية محضة والثانية اقتصادية تتصل بالتداعيات المحتملة للقرار. أولاً: فيما يتعلق بالجانب الإجرائي: للوقوف على حقيقة الأمر بالنسبة للجدل الذي اندلع بين وزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل من جهة وبين غرفة تجارة وصناعة البحرين من جهة ثانية، لابد من القيام أولاً بعملية جمع وتمحيص معلومات كافية وشافية عن الموضوع، بما في ذلك الاطلاع (من خلال موقع الحكومة الإلكترونية) على النص الأصلي ‘للقرار رقم (79) لسنة 2009 بشأن إجراءات انتقال العامل الأجنبي إلى صاحب عمل آخر’ المنشور في الجريدة الرسمية العدد 2893 الموافق 30 أبريل .2009 وأمكن من خلال إنجاز هذه العملية الوقوف على حقيقة ملابسات صدور القانون وهي كالتالي: إن هذا القرار ما هو إلا ثمرة حوارات ونقاشات دارت بين هيئة تنظيم سوق العمل والأخوة التجار الذين تمثلوا فيها بشخص عادل المسقطي وفاروق المؤيد، انتهت قبل 3 سنوات بصدور القانون الخاص بتنظيم سوق العمل. وأبدت الغرفة حينها بعض الملاحظات التي تم الأخذ ببعضها حرفياً وتم تثبيتها في متن مواد القانون. ولذلك فإن قول الغرفة أو المستوى الثاني والثالث من قياداتها وأعضائها أنهم فوجئوا بالقرار، كلام غير دقيق. هذا أولاً، وثانياً فإن القرار تضمن ما يكفي من المواد، المستندة لمواد القانون سالف الذكر، التي توفر ضمانات جيدة لأصحاب العمل. فالمواد (2) و(3) و(4) و(5) و(6) و(7) و(8) هي عبارة عن خارطة طريق تنظيمية لعملية انتقال العامل الأجنبي من صاحب عمل إلى صاحب عمل آخر. صحيح أن المادة الثانية تحيل ضمانات حفظ حقوق صاحب العمل بصورة غير محددة إلى أحكام القانون، إلا أنها أعطت صاحب العمل الحق في تأمين حقوقه من خلال عقد العمل الذي يبرمه مع العامل اعتباراً بالقاعدة القانونية ‘العقد شريعة المتعاقدين’. وهي تنص:’… يكون للعامل الأجنبي – دون موافقة صاحب العمل – حق الانتقال للعمل لدى صاحب عمل آخر وذلك دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب أحكام القانون أو نصوص عقد العمل المبرم بين الطرفين’. وكما أسلفنا سابقاً فإن هذا القرار (رقم 79 لسنة 2009) ما هو في الواقع سوى ترجمة لما هو وارد في قانون رقم (19) الذي تنص المادة الخامسة والعشرون منه على حرية انتقال العمالة والذي تم إقراره في البرلمان بعد مجلس الوزراء في عام 2006 بمعرفة ومشاركة الغرفة في مداولاته ومشاوراته. فالقرار بهذا المعنى كان متوقعاً وليس مفاجئاً كما ذهب إلى ذلك بعض الاجتهادات. وهذا على كل حال المآل الذي كان لا بد وأن ينتهي إليه نظام الكفيل اللاإنساني عاجلاً أو آجلاً، ولا فائدة ترجى من التحسر على اللبن المسكوب. إذ لن يقتصر الأمر على البحرين فسرعان ما ستلحق بها في هذا الاتجاه بقية دول مجلس التعاون، حيث أعلن رئيس الاتحاد العام لعمال الكويت خالد الغبيشان أن الاتحاد توصل لاتفاق شبه نهائي مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لإلغاء نظام الكفيل، وسيتم عرض هذا الاتفاق على مجلس الأمة الكويتي الجديد لإقراره، مشيراً في ذات الوقت إلى وجود بعض الملاحظات على الاتفاق لغرفة تجارة وصناعة الكويت التي تمثل مصالح أصحاب العمل، كما كشف عن وجود صيغة بديلة هي شركة لاستقدام العمال بحيث تكون شركة مساهمة حكومية مفتوحة لكل المواطنين. كما إن منظمة العمل الدولية قد أعدت دراسة وافية لإلغاء نظام الكفيل في دول الخليج، وإن الدراسة دعت إلى توفير بديل مناسب لهذا النظام، فيما أكدت منظمة العمل العربية، استناداً إلى مصادرها، أن جميع دول مجلس التعاون تتجه لإلغاء نظام الكفيل. نتفق مع عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين عادل المسقطي فيما ذهب إليه في ندوة ‘حرية انتقال العامل الأجنبي’ التي نظمتها جمعية الاقتصاديين البحرينية بتاريخ 16 أيار 2009 من أن ‘الخلل الذي حصل تمثل في تركيز الاهتمام على المسار المتعلق حصراً بإصلاح سوق العمل من دون إيلاء اهتمام موازي بالمسارين الآخرين وهما الإصلاح الاقتصادي وإصلاح التعليم، ‘ما جعل الأوضاع تسوء وتصعب حيث أدى تطبيق قوانين تنظيم سوق العمل إلى إفلاس كثير من التجار’ على حد قوله. ونحن نضم صوتنا معه لتوجيه تركيز الاهتمام نحو الاقتصاد بتعظيم استثماراته العامة والخاصة باعتبارها الأداة الأكثر نجاعة لمضاعفة معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي وبالتالي خلق فرص عمل جديدة وتحسين معدلات الأجور، مع المحافظة على المؤسسات الإنتاجية الحكومية المفتاحية التي لا غنى عن مساهمتها في إيرادات الموازنة، والعمل على تعزيز مواقعها واستثماراتها عوضاً عن التلويح بين آن وآخر ببيعها؛ وتوجيه تركيز الاهتمام كذلك نحو التعليم الذي تعرضت سمعة مؤسساته لنكسة كبيرة جراء امتناع دولة الكويت عن الاعتراف بشهادات 6 جامعات خاصة. بل إنني أزعم أن مجال حركتنا ومعركتنا الحقيقية هو التعليم قبل أي شيء آخر. فالإصلاحات بل التحولات الاقتصادية الاجتماعية النوعية الكبرى التي سجلتها سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية ما كانت لتحدث لولا أنها كانت مركزة بالدرجة الأولى على التعليم، حتى أضحى الاستثمار في التعليم هو الهم الأول الذي يكاد يصل لدرجة الواجب المقدس لدى كل عائلة كورية جنوبية، ومازال الأمر كذلك حتى اليوم!
صحيفة الوطن
31 مايو 2009