من المؤكد ان الحكومة قصدت الربط بين رواتب الوزراء من ناحية ومكافآت وتقاعد أعضاء الشورى والنواب من ناحية ثانية، فمشروع قانون رواتب رئيس الوزراء والوزراء كان يفترض ان يقدم للمجلس الوطني بغرفتيه في نهاية 2002 أو بداية عام 2003 طبقاً للدستور، وليس بعد سبع سنوات من موعده….
ومكافآت رئيسا وأعضاء الشورى والنواب ليست قليلة، ولم يطالب أي واحد من الأعضاء الثمانيين بزيادتها، بل ان تحديدها بمرسوم مجلسي الشورى والنواب، وصدور هذا المرسوم قبل انعقاد مجلس 2002 وقبل الانتخابات النيابية كان مقصوداً واعتبر يومها وسيلة إغراء للمشاركة في الانتخابات وضد الدعوة لمقاطعتها، وهي الوسيلة التي نجحت بالفعل في استقطاب العناصر الكفؤه وغير الكفؤه للعمل السياسي، للمشاركة في الانتخابات والحصول على المكافأة المغرية والامتيازات الأخرى عند الفوز…
وتقاعد النواب والشوريين سبق ان أثير في مجلس 2002 وبالأحرى في النصف الثاني من عمر ذلك المجلس، واختلف أعضاء المجلسين حوله، فقد تحمس له الذين لا يودون ترشيح أنفسهم لمجلس 2006 أو أنهم خائفون من عدم الفوز، ولم يتحمس له الآخرون- وهم الأغلبية – و لأكثر من سبب، من هذه الأسباب ان المطالبة بمعاش تقاعدي بعد أربع سنوات من العمل التطوعي للخدمة العامة، وليس تأدية وظيفة معينة ، هذه المطالبة غير منطقية وغير عادلة خاصة والحديث يدور حول تقاضي معاشاً تقاعدياً بنسبة 80 في المائة من المكافأة (2006 دينار) للعضو وأكثر من ذلك بكثير لرئيسي المجلسين ونوابهما، وذلك في مقابل حصول الموظف العادي على هذه النسبة من المعاش التقاعدي بعد عمل متواصل يصل إلى 40 عاماً…
هذا في الوقت الذي احتفظ فيه جميع أعضاء الشورى بوظائفهم وأعمالهم طوال مدة تعيينهم في المجلس، وبعضهم أصحاب ورؤساء ومدراء شركات، والبعض الأخر تم تعيينهم في المجلس بعد ان أحيلوا على التقاعد في الوزارات أو الهيئات التي كانوا يعملون بها وأصبحوا يحصلون على معاشات تقاعدية، وكذلك الحال مع أعضاء مجلس النواب الذين يعملون في الأعمال الحرة أو القطاع الخاص، أو الذين ينتقلون إلى الأعمال الحرة بعد خروجهم من مجلس النواب أو عودتهم إلى وظائفهم الحكومية أو في الشركات، أو أنهم حصلوا على تقاعد مبكر منها…
وفي كل هذه الأحوال، فان الحكومة لم تكن تحت أي ضغط، وإنها لم تكن في حاجة إلى تقديم إغراءات جديدة لرؤساء وأعضاء المجلسين تتمثل في زيادة المكافآت أو إنشاء صندوق التقاعد ومنحهم معاشاً تقاعدياً يصل إلى 4000 دينار، لكنها أقدمت على هذه الخطوة، وفي هذا الوقت بالذات بعد ان وجدت نفسها مضطرة لتقديم مشروع قانون برواتب رئيس الوزراء والوزراء يمنحهم مرتبات تزيد عن ضعف ما هو معروف وما سبق ان تقدمت به الحكومة للمجلس في وقت سابق ومن ثم عادت وسحبته…
فهي – إي الحكومة- تريد إذن ان ترفع راتب رئيس الوزراء إلى (10300 دينار) في الشهر، و (247200) خلال دورة الميزانية كل عامين، وترفع راتب الوزير إلى (8200 دينار) شهرياً و (196800 دينار) كل عامين، وتريد من مجلس النواب – حسب الدستور الموافقة على هذه الزيادات الكبيرة، وهي موافقة لن تكون سهلة وسلسة ما لم يغلف طلبها في ورقة من السوليفان المرصع بالإغراءات التي يسيل لها لعاب النواب، أما أعضاء الشورى فهم معينون ولا يملكون إلا الموافقة….
وجاءت هذه الإغراءات دسمة ويسيل لها لعاب النواب حقاً، فقد حرصت الحكومة على أن يترافق مشروع قانون رواتب الوزراء مع مشروع قانون آخر بتعديل بعض مواد مرسوم مجلس الشورى والنواب يقضي بزيادة مكافأة النائب وعضو الشورى إلى 2500 دينار وتضيف له علاوة هاتف بمبلغ 300 دينار ليصبح إجمالي المكافأة الشهرية (4050 دينار ) و (972000 دينار) خلال دورة الميزانية العامة كل عامين، وكذلك زيادة مكافأة نائب الرئيس في المجلسين إلى ( 5050 دينار) و (121200 دينار) في عامي الميزانية العامة، أما الرئيس في أي من المجلسين فقد رفعت الزيادة مكافأته إلى راتب الوزير (8200 دينار) أي حوالي ضعف ما كانت عليه في السابق، (196800 دينار) خلال دورة الميزانية.
فما جرى إذا بين مجلس الوزراء من جهة ومجلسي الشورى والنواب من جهة ثانية هو تبادل مصالح، وتقاسم شطيرة من كعكة المال العام المهدورة أصلا….
فما مدى شرعية ولزومية وواقعية هذه الزيادات المتبادلة، وهل جاءت في وقت ووضع اقتصاديين مناسبين، هذا ما سوف نحاول الإجابة عليه غداً….
مصالح الوزراء والنواب (2-2)
في مقال أمس… عرفنا السبب الذي من اجله تبرعت الحكومة بزيادات مغرية لرئيسي وأعضاء مجلسي الشورى والنواب، وأضافت عليها نظام وصندوق تقاعد..لكن معرفة السبب هذه لم تبطل العجب المترتب على الزيادات المقدمة للوزراء والنواب والرؤساء جميعاً، وذلك لان هذا العجب مرتبط بإيرادات ومصروفات الدولة، وبسلامة توظيف هذه الإيرادات، وقبل وبعد ذلك بالمحافظة على المال العام من الاستغلال والتبديد…
فمن الناحية المالية، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن الرواتب الجديدة لرئيس الوزراء والوزراء خلال عامي الميزانية تكلف (4576800 دينار) والمسئولين والمستشارين الذين برتبة وزير يكلفون (3537600 دينار) والنواب وأعضاء الشورى (7192800 دينار) ورئيسي المجلسين (393600 دينار) ونوابهما الأربعة (484800) ليصبح مجموع رواتب ومكافآت وعلاوة هؤلاء المعلنة: (16185600 دينار) خلال عامي دورة الميزانية العامة للدولة، فإذا أضفنا لها علاوات تحسين الوضع بالنسبة للوزراء الجدد فعلينا أن ندرك كم يتكبد المال العام من انفاق على الرؤساء ونوابهم وأعضاء المجالس الثلاثة، والذين هم برتبة وزير ويضاهون في عددهم عدد الوزراء، مما يجعل حكومة البحرين المكونة من (44) وزيراً هي الأكبر على مستوى العالم.
ومن الناحية الاقتصادية فان تقرير هذه الرواتب والمكافآت والزيادات والعلاوات يأتي في وقت تنهار فيه أسعار النفط إلى حوالي 40 دولاراً وبالتالي تنهار الإيرادات النفطية بذات النسبة، والتي تشكل بدورها (80) في المئة من الإيرادات العامة، لتسجل الميزانية العامة اكبر عجز في تاريخها ويرتفع الدين العام إلى مستوى قياسي، ولتساهم هذه الزيادات بدورها في القفز بالمصروفات المتكررة إلى ما يفوق مجموع الإيرادات النفطية، أي أن إعلان الحكومة عن الرواتب والمكافآت الجديدة يأتي متناقضاً مع التطورات المالية والاقتصادية، والتي تتطلب تقليص المصروفات، وإعادة النظر في أولويات الانفاق، والدفع باتجاه تنويع وزيادة مصادر الدخل.
ومن ناحية المسئولية الوطنية والتي يفترض ان يتحلى بها أعضاء المجالس الثلاثة ومعهم الذين بربتة وزير، فان هذه المسئولية توجب على الجميع العمل من اجل خدمة الوطن والتضحية في سبيل رفعته وتقدمه وازدهاره، ومسئولية الخدمة الوطنية عادة تغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ويحرص الذي يتولى المسئولية في أي مؤسسة عامة على ان يعطي أكثر مما يأخذ، وان يربط بين الإنتاجية والعائد من ناحية وطبيعة وحجم العمل الذي يؤديه، وتنبثق نظرته هذه من كونه عضواً في مؤسسة دستورية مهمتها ان تحاسب الآخرين على كيفية استخدام المال العام، والحد من الإسراف في صرفه والتلاعب فيه وتبديده….
فإذا كانت هذه مسئولية المجالس الثلاثة، وكانت هذه هي المهمة الموكلة إليهم، والتي ائتمنهم الشعب عليها، فكيف بهم يبددون المال العام على أنفسهم، ويوظفونه من اجل مصالحهم المتبادلة، ويضربون عرض الحائط كافة الظروف المالية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد وتنعكس بالسلب على عموم المواطنين…
كيف يسمح هؤلاء وهم قدوة الشعب في التصدي لتحمل المسئولية الوطنية بان يمنحون أنفسهم هذه الملايين من الدنانير، وهم يعرفون أنهم لا يقدمون عملاً يوازي ما يأخذون، وأن هناك الآلاف من المواطنين المنتجين في القطاعين العام والخاص الذين يطالبون بزيادات متواضعة على مداخليهم، وبتحسين وضعهم المعيشي، وبالحصول على السكن اللائق وعلى علاوة غلاء مشرفة، ولا يحصلون على أي شيء مما يطلبون، ألا يعد هذا التبديد للمال العام، وهذه الزيادات التي تفوق الضعف، مقابل الفتات الذي يحصل عليه المواطنون البسطاء ألا يعد ذلك تمييزاً مخالفاً للدستور، ولحقوق الإنسان..
البعض من أعضاء المجالس الثلاثة ومعهم طبقة المستشارين الذين يتلقون مكافآت مجزية مقابل انجاز مبهم، هؤلاء يقولون ان ما نحصل عليه من رواتب ومكافآت ليست بدعة، وان أغلبية الدول تدفع مثلها وأكثر، بل أن رواتب مدراء البنوك تفوق رواتب الوزراء والنواب، وهو قول صحيح، لكن الصحيح أيضا ان الوزير والنائب يتولى مسئولية وطنية عامة، والذي يقبل ان يتولى هذه المسئولية لا يقارن نفسه بالشخص الذي يتولى مسئولية مدير بنك مثلاً، فعندما ينتقل مدير البنك إلى وزير مالية فان راتبه ينخفض بنسبة 50 في المئة على الأقل…
أما أعضاء مجلسي الشورى والنواب فأحيلهم إلى الصين التي بها مجلس للنواب يصل عدد أعضائه إلى نصف مليون نائب، لا يجتمعون تحت قبة واحدة، وإنما يجتمعون كمجموعات مناطقية…المهم ان جميع هؤلاء منتخبون، ويتحملون المسئولية الوطنية بدون إي مقابل وأية مكافأة، فالنائب في الصين يخدم وطنه في البرلمان ويخدم نفسه في وظيفته الخاصة التي يحقق منها دخلاً، وبالطبع فالكفاءات الوطنية هي التي تخدم الوطن وتضحي من اجله في المجالس الوطنية وليس مجالس المكافآت…
البلاد 26 مايو 2009