في مايو/ أيار 2008 تابعت الانتخابات البرلمانية الكويتية ميدانيا مركزا على المراكز الانتخابية المخصصة للنساء والمقار الانتخابية للمرشحات. أما هذه المرة فقد تابعتها من القاهرة حيث كنت أشارك في ندوة علمية بشأن الأزمة العالمية وبلدان حركة عدم الانحياز. وهناك استعدت مقالا كنت قد كتبته بعد عشرة أيام على انتخابات ,2008 تعالوا نستعيد فقرة منه:
‘في عدد من المراكز الانتخابية النسائية شاهدت الناخبات وفرق العمل النسائية وحتى من عرّفن أنفسهن بالمفاتيح الانتخابية للمرشحات والمرشحين يتقدن حماسا لدرجة الجرأة الملحوظة في تجاوز شروط الدعاية الانتخابية في يوم الانتخابات. لكنه، ولمرتين متتاليتين في البحرين والكويت، عملت وصوتت المرأة بنشاط ضد نفسها لشديد الأسف. ومع ذلك، ورغم عدم فوزهما أبلت المرشحتان أسيل العوضي ورولا دشتي بلاء حسنا. أسيل العوضي ‘التحالف الديمقراطي’ جاءت مباشرة بعد آخر الفائزين في الدائرة الثالثة، كما حصدت رولا دشتي عددا ليس قليلا من الأصوات. ويشير ذلك إلى ارتفاع حظوظ المرأة بالفوز في الانتخابات القادمة..’. وشاءت الأقدار أن يدعى إلى انتخابات نيابية جديدة بعد تمام حول واحد فقط حيث تم حل مجلس الأمة السابق. وها هي أسيل العوضي ورولا دشتي ومعهما معصومة المبارك وسلوى الجاسر تدخلان مجلس الأمة في تحد لكل ظروف التخلف التي فرضتها قوى الإسلام السياسي.
قديما قيل إذا أردت أن تعرف درجة رقي مجتمع ما فانظر إلى وضع المرأة في هذا المجتمع. وفي تطور العملية الانتخابية في الكويت نقف بالفعل أمام هذه الحقيقة. هذا البلد الشقيق هو أول من شق طريق التطور الديمقراطي في منطقة الخليج. ولولا القوانين التي منعت المرأة من التصويت والترشيح لانتخابات مجلس الأزمة التي استمرت حتى منتصف العقد الأول من الألفية الحالية فربما كانت قد احتلت عددا من مقاعد البرلمان أيام ازدهار الحركة الديمقراطية والعمالية في الكويت. ما حدث بعد ذلك من صعود لقوى الإسلام السياسي لم يكن سوى تشويه لمسار الديمقراطية في الكويت بسبب تعاظم سلطان المال السياسي وتركيز ذوي النفوذ على دعم هذه القوى من أجل كبح التطور الديمقراطي. فالمرأة لا تستطيع أن تصل إلى مجلس الأمة إلا بدعم تيارات سياسية قوية أو بدعم من الحكومة. وعندما كانت قوى الإسلام السياسي في أوج انتشارها وقوتها كانت حظوظ المرأة للفوز معدومة إلى درجة الصفر في جولتين انتخابيتين بعد السماح للمرأة بأن تكون ناخبة ومنتخبة. ولكثرة الخضات التي أصابت المجلس وأدت إلى حله مرارا وكادت أن تودي بالنمط الحالي للحياة البرلمانية نفسها، تمكن الشعب الكويتي من اختبار الجدوى السياسية لهذه القوى. ومنذ انتخابات 2008 عاقب الناخب الكويتي ممثلي قوى الإسلام السياسي بقوة. فمن بين 14 مرشحا لم يفز سوى 3 فقط، مقارنة بستة مقاعد في انتخابات العام .2006 لقد كشف أداء هذه القوى البرلماني طبيعتها المتطرفة بشكل مزدوج. فهي مغالية في معارضتها للحكومة عندما تتطلب مصالحها ذلك، ومغالية في الدفاع عن الحكومة عندما تتداخل مصالحهما عبر الصفقات أو عبر تمثلها المباشر في السلطة التنفيذية. لكن ناخب ,2008 معاقبا الفئة الأولى، رفع عدد ممثلي السلفيين إلى أربعة. أما في الانتخابات الأخيرة فقد عاقب ممثلي كل هذه القوى مجتمعة بقوة مضاعفة. وحتى ما يقال عن زيادة في عدد مقاعد النواب الشيعة فدلالته على العكس تماما. لم تتحقق الزيادة بسبب ارتفاع التأييد لممثلي الإسلام السياسي في الطائفة، بل على العكس تماما، بسبب انتصار امرأتين من هذه الطائفة على أسس غير طائفية.
وهكذا فقد شكل تراجع نفوذ قوى الإسلام السياسي وتقدم القوى الديمقراطية في الانتخابات الأخيرة المقدمة الموضوعية الضرورية لفوز المرأة في هذه الانتخابات، لتصدق مقولة أن حال المرأة من حال المجتمع. ورغم هذا الفوز الكبير فإن الحال لم يتغير بشكل جذري بعد. في العام الماضي فقط كانت معصومة المبارك قد أجبرت على الاستقالة من منصبها كوزيرة للصحة بسبب ضغوط قوى الإسلام السياسي على إثر حريق شب في إحدى المستشفيات. ذلك يعني أن هذه القوى تهدف إلى استبعاد المرأة ليس من حلبة صناعة القرار السياسي، بل وتنفيذه أيضا. وإذا كانت المبارك امرأة محجبة، فإن هؤلاء النواب أعلنوها صراحة بأنهم سينبرون للمرأة غير المحجبة في البرلمان الحالي. إذن، فبغض النظر عما إذا كانت المرأة محجبة أو غير محجبة، وعما إذا كانت المسؤولية تشريعية أم تنفيذية فستبقى المرأة مرفوضة من قبلهم على الإطلاق. وعليه فإنه حتى لو جاء فوز المرأة في الكويت بدون فرز ‘كوتا’ خاصة لها، كانت قد طالبت بها قبيل الانتخابات د. سعاد الطراروة، المستشارة القانونية في الديوان الأميري، إلا أن شقيقتها البحرينية ستظل بحاجة إلى هذه ‘الكوتا’ نظرا للتمكين الذي حصلت عليه قوى الإسلام السياسي عبر العقود السابقة، حيث لا تزال هذه القوى قوية مالا ونفوذا بما لا يقاس.
ذلك فقط لاختصار درب الآلام على المرأة والمجتمع كله. أما تاريخ المسار العام للتطور العالمي فرغم تعرجاته يشير إلى أن هذه القوى تتجه ضد التاريخ تماما. فإذا كانت السيدة سيريمانو باندرانايكا أول امرأة في العالم وصلت إلى رئاسة حكومة بلادها سريلانكا العام ,1960 فإن في العالم اليوم 8 دول تقف فيها المرأة على سدة الحكم، هي ألمانيا، لتوانيا، فنلندا، ايرلندا، سانومي، نيوزلندا، الفلبين وبنغلادش.
ولمن لا يحب رؤية المرأة تحت قبة البرلمان نقول بأن البرلمان سيكون ليس أكثر جمالا فحسب، بل وأكثر إنسانية أيضا. هل سمعتم أديب الجمالية الرمزية الفرنسي م. بارّيس (1862 – 1923) حين قال قبل أكثر من قرن إن «النساء يكسرن حدية عصبيتنا، وخُيلاء نزعتنا الفردية. إنهن يعدننا إلى حضن الجنس البشري». أما الناقد الأدبي والفيلسوف الروسي الفنلندي المولد ف. بيلينسكي (1811 – 1848) فقال عنها باعتزاز «إن نداء المرأة الطبيعي هو أن تثير في الرجل طاقة الروح وغبار المساعي الخيرة، تعزز فيه الإحساس بالواجب والسعي إلى كل ما هو رفيع وعظيم – هذه هي رسالتها، وهي عظيمة ومقدسة».
فهل ستظهر الانتخابات المقبلة في البحرين ارتفاعا في مستوى وعي ورقي المجتمع البحريني أم أننا بحاجة إلى مزيد من درب الآلام؟
صحيفة الوقت
25 مايو 2009