المنشور

إلغاء نظام الكفيل‮..‬ انعكاســـات وردود أفعــال

أثار القرار رقم‮ (‬79‮) ‬لسنة‮ ‬2009‮ ‬الذي‮ ‬أصدره وزير العمل بصفته رئيساً‮ ‬لمجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل،‮ ‬والقاضي‮ ‬بإلغاء نظام الكفيل للعمالة الوافدة إلى البلاد،‮ ‬اعتباراً‮ ‬من شهر أغسطس القادم،‮ ‬الكثير من الجدل واللغط في‮ ‬أوساط قطاع الأعمال ممثلاً‮ ‬في‮ ‬غرفة تجارة وصناعة البحرين وكذلك في‮ ‬أوساط اتحاد نقابات العمال‮.‬ وهذا شيء مألوف وطبيعي‮ ‬بالنظر لما سينطوي‮ ‬عليه هذا القرار،‮ ‬من تداعيات وتبعات اقتصادية كبيرة على ميزان القوى داخل سوق العمل البحريني‮ ‬واتجاهاته،‮ ‬عرضاً‮ ‬وطلباً‮ ‬وانعكاسات ذلك على مرونته،‮ ‬وهذه الأخيرة على متوسطات الأجور وعلى مستوى التضخم السائد ترتيباً‮.‬ فضلاً،‮ ‬وهذا لا‮ ‬يقل أهمية عن التداعيات الاقتصادية المفترضة للقرار،‮ ‬عن تداعياته على تنافسية قطاع الأعمال البحريني‮ ‬من حيث ما سينجم عن تطبيق القرار المذكور من وضع حد نهائي‮ ‬لحاله الاستقرار الوظيفي‮ (‬أي‮ ‬استقرار العمالة‮) ‬الذي‮ ‬يعتبر شرطاً‮ ‬ضرورياً‮ ‬لانتظام الدورة على صعيد الاقتصاد الجزئي،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يفسر‮ ‘‬انتفاضة‮’ ‬قطاع الأعمال،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك قيادات هذا القطاع ذات الاستثمارات الضخمة والقطاعية المتنوعة،‮ ‬لاسيما في‮ ‬قطاع المقاولات والتجارة،‮ ‬حيث عبّر أكثر من مسؤول رفيع من قيادات‮ ‬غرفة تجارة وصناعة البحرين عن عدم رضاهم عن هذا القرار بسبب ما اعتبروه الانعكاسات السلبية التي‮ ‬سيخلفها على سير أعمالهم‮.‬ ولم‮ ‬يقتصر الارتباك الذي‮ ‬سبّبه القرار على الغرفة وقياداتها،‮ ‬إنما شمل أيضاً،‮ ‬وبشكل لافت وغريب،‮ ‬اتحاد العمال الذي‮ ‬ارتبك رئيسه وصرح بأن الاتحاد العمالي‮ ‬ليس له موقف راهن من القرار وإنما سيدرسه للوقوف على تبعاته قبل تحديد موقفه‮! ‬مع أن المفترض في‮ ‬الاتحاد العمالي‮ ‬وقوفه إلى جانب قرار‮ ‘‬تحرير‮’ ‬إخوته في‮ ‬المهنة من ربقة نظام الكفيل الحابس لحرية حركة التشغيل الأجنبي‮ (‬لاحظ أننا نتحدث بمنطق السوق وليس من خارجه‮). ‬ ويبدو أن تبايناً‮ ‬في‮ ‬الآراء داخل قيادات الاتحاد العمالي،‮ ‬هو الذي‮ ‬حال دون اتخاذ موقف واضح ومحدد لحظة احتدام الجدل المجتمعي‮ ‬بشأن القرار وذيوله‮. ‬إلا أنه وللأمانة فقد عبر رئيس الاتحاد العمالي‮ ‬فيما بعد عن موقف الاتحاد المؤيد للقرار،‮ ‬والمؤكد على وقوف النقابات العمالية البحرينية مع حرية العمالة الأجنبية‮.‬ كثيرون بالتأكيد لم‮ ‬يستوعبوا صدمة القرار الأولى،‮ ‬ومنهم كاتب هذه السطور،‮ ‬بالنظر لما سيترتب على تطبيقه من تغيير جذري‮ (‬نعم جذري‮) ‬في‮ ‬بعض المتغيرات‮ ‬Variables‮ ‬الاقتصادية ذات الصلة بالنمو السنوي‮ ‬لإجمالي‮ ‬الناتج المحلي‮ ‬والأهم بالميزان الاقتصادي‮ ‬الاجتماعي‮. ‬ فالقراءة الأولى للقرار وتبعاته تقول ما‮ ‬يلي‮:‬ ‮*‬بهذا القرار تتحول هيئة تنظيم سوق العمل رويداً‮ ‬رويداً‮ ‬نحو الاضطلاع بدور شبيه بالدور الذي‮ ‬تقوم به البنوك المركزية من حيث ممارسة الدولة لدورها السيادي‮ ‬بالتدخل في‮ ‬السوق‮ ‘‬لضبط إيقاع حركته‮’‬،‮ ‬مع الفارق أن البنوك المركزية تتدخل لضبط عرض النقد‮ (‬Money Supply‮) ‬والضبط والتحكم من خلال إدارة سعر الفائدة المصرفية،‮ ‬بينما تتدخل الهيئة لضبط جانب العرض لقوة العمل في‮ ‬السوق‮.‬ ‮*‬تقوم منظمة الأقطار المصدرة للنفط‮ ‘‬أوبك‮’ ‬بهذا الدور التدخلي‮ ‬في‮ ‬السوق للحفاظ على مستوى سعر البرميل المستهدف من خلال آلية التحكم في‮ ‬الإنتاج خفضاً‮ ‬أو زيادةً‮. ‬وللقيام بهذه المهمة لابد من وجود طاقة إنتاجية كافية تحت تصرف المنظمة،‮ ‬وبالفعل تملك‮ ‘‬أوبك‮’ ‬مثل هذه الطاقة الاحتياطية المرجِّحة‮ (‬Spare Capacity‮)‬،‮ ‬أما في‮ ‬حالة هيئة سوق العمل فإن القرار الجديد قد‮ ‬يضع حداً‮ ‬لظاهرة احتياطي‮ ‬قوة العمل المتوفرة في‮ ‬السوق متمثلة خصوصاً‮ ‬في‮ ‬عمال الـ‮’‬فري‮ ‬فيزا‮’‬،‮ ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬أن السوق‮ (‬أي‮ ‬سوق العمل البحريني‮) ‬سيفتقد،‮ ‬بتقلص هذا الرصيد الاحتياطي‮ ‬من قوة العمل،‮ ‬إلى المرونة التي‮ ‬كان‮ ‬يتمتع بها على صعيدي‮ ‬العرض والطلب،‮ ‬وهي‮ ‬مرونة لا‮ ‬غنى عنها لضبط اقتصاديات السوق فيما‮ ‬يتعلق بمستويات الأجور ورديفها التضخم النقدي‮ ‬مؤقتاً،‮ ‬إذ سرعان ما ستتكفل آليات نظام اقتصاد السوق بإعادة تركيز احتياطي‮ ‬قوة العمل،‮ ‬سواء أكانت محلية أو أجنبية‮.‬ ‮*‬وعلى ذلك فإننا قد نشهد في‮ ‬الفترة اللاحقة‮ (‬مباشرة‮) ‬لتطبيق القرار،‮ ‬ارتفاعاً‮ ‬ملحوظاً‮ ‬في‮ ‬عدد القضايا العمالية المنظورة أمام القضاء البحريني‮ ‬كنتيجة طبيعية لارتفاع وتيرة دوران العمل‮ (‬انتقال ملموس للعمالة الأجنبية عبر مختلف الوظائف القائمة في‮ ‬السوق‮).‬ وجدير بالتنويه هنا أن قرار إلغاء نظام الكفيل،‮ ‬هو جزء من حزمة مشروع إصلاح سوق العمل لمجلس التنمية الاقتصادية‮. ‬وكما واجه المستوى الأول من تطبيق المشروع مقاومة شديدة من أرباب العمل وشرائح واسعة من المجتمع،‮ ‬فإن تطبيق المستوى الثاني‮ ‬من المشروع،‮ ‬وهو هنا إلغاء نظام الكفيل،‮ ‬لابد وأن‮ ‬يستدعي‮ ‬اعتراضات شديدة وواسعة من جانب قوى مجتمعية مؤثرة‮. ‬ولكن الراجح أن هذه المقاومة سوف تتلاشى رويداً‮ ‬رويداً‮ ‬مع تبلور نسق جديد لعلاقات العمل في‮ ‬السوق بين أطراف عملية الإنتاج‮.‬ ‮- ‬للحديث صلة‮
 
صحيفة الوطن
25 مايو 2009