منطقياً، فإن تحقيق الوحدة بين شطري اليمن مكسب كبير ينسجم مع الحاجة إلى توحيد الأقطار العربية من داخلها، طالما بات حلم الوحدة العربية مؤجلاً، وربما عصيا في الظرف الراهن وفي الأفق المنظور. والوحدة، التي مرت ذكراها التاسعة عشرة مؤخرا تمت بشكل طوعي إلى حدٍ ما، ونقول إلى حدٍ ما لأننا لوعدنا للملابسات التي أحاطت بقيامها، لتذكرنا أن الشطر الجنوبي بزعامة علي سالم البيض يومها ما كان سيذهب بتلك الوتيرة السريعة نحو الوحدة، لولا أنه وجد ظهره إلى الجدار، بعد أن انهار الاتحاد السوفيتي أو أوشك، وكان هو السند الرئيس للتجربة اليسارية في جنوب اليمن. ولا يجب أن ننسى أن هذه التجربة تعرضت لتصدعات دامية من داخلها خلال سنواتها التي ابتدأت بتسلم الجبهة القومية للسلطة بعد رحيل الانجليز عن عدن، وانتهت بإعلان الوحدة مع الشمال. وفي نتيجة هذه التصدعات تصارع رفاق الأمس بصورة عبثية، كان من نتيجتها أن تعاقب على الحكم عدة رؤساء هم قحطان الشعبي وعلي سالم ربيع وعبدالفتاح إسماعيل وعلي ناصر محمد وأخيراً علي البيض، وانتهت حياة اثنين على الأقل من هؤلاء، ربيع واسماعيل، بصورة مأساوية، حيث تمت تصفيتهما جسدياً بأيادي رفاقهما في المكتب السياسي للحزب الحاكم. والوحدة التي بدت طوعية، في الظاهر، سرعان ما اعترضتها صعوبات حقيقية أدت إلى حرب بين الشطرين في نتيجتها دخل الشماليون عدن كفاتحين، مما خلق مرارات تظل تعيد إنتاج نفسها على النحو الذي تفاقم في السنوات القليلة الماضية في أعمال عنف، بدا واضحاً فيها طابع الثأر المناطقي، وربما القبلي أيضاً. وعلى عاتق الدولة اليمنية تقع مسؤولية تخطي تلك الآثار السلبية وتداعياتها، من أجل ألا تبقى هناك جراح مفتوحة، يمكن لها أن تكون قاعدة لاحتقانات راهنة ومحتملة. سيكون تصنعاً لو غلبنا الطابع الاحتفالي على ذكرى الوحدة اليمنية التي مرت مؤخراً، فالذي تناقلته وكالة الأنباء من خطابات وخطابات مضادة، بما فيها ذاك الذي جاء على لسان الرئيس السابق للشطر الجنوبي ونائب الرئيس الذي أقصي بعد حرب الشطرين علي سالم البيض، تشير إلى أن الأمور باعثة على القلق أكثر مما هي باعثة على الطمأنينة. يرجح هذا القول التطورات الميدانية على الأرض في الجنوب، حيث المواجهات بين مسلحين محليين وبين الجيش، والتي سقط ضحايا في نتيجتها، ونعلم ان مثل هذه المواجهات تكررت مراراً خلال السنوات الماضية. اليمن يعنينا كثيراً في الخليج، وتعنينا وحدته واستقراره، لذا نضع أيادينا على قلوبنا ونحن ندعو له ألا ينزلق نحو المتاهة. وتجنب هذا الانزلاق ممكن إذا ما أعيد صوغ العلاقة بين الشطرين بروح الوحدة الحقيقية والشراكة السياسية التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المسار التاريخي المختلف في العديد من تفاصيله بين الجنوب والشمال، والذي في نتيجته نشأت فروقات ثقافية ونفسية لا يمكن تجاهلها.
صحيفة الايام
25 مايو 2009