لا يوجد دستور في العالم يخلو من السلبيات أو يخلو من المزايا، سواء كثرت أم قلت في هذا الجانب أم ذاك الجانب، بما في ذلك دساتير الدول الديمقراطية الغربية العريقة. بعض هذه السلبيات والمزايا الايجابية تعرف من نصوصها ومضامينها، كما في دول الديمقراطيات المحدودة، وبعضها الآخر يُعرف من الممارسة التطبيقية، كما في دول الديمقراطيات الغربية على الأغلب.
من عيوب الدستور الكويتي قبل أن يمر ببعض التعديلات انه ترك حق النساء في المشاركة السياسية فضفاضاً غير قاطع التفسير لتأكيد هذه المشاركة وجاء دستور 1973 البحريني الذي سار على منوال شقيقه الدستور الكويتي مشابهاً في ذلك. وعجزت القوى الوطنية والليبرالية في كلا البلدين في تفسير الدستور أو تعديله بما يكفل القطع، بلا لبس أو التفاف حول حق المرأة في المشاركة. لكن من مزايا دستور 2002م البحريني، بصرف النظر عن عيوبه، انه أكد هذا الحق بكل وضوح من دون أدنى التباس. ومع ذلك لم تتمكن المرأة من الفوز تصويتياً في دورتين انتخابيتين باستثناء فوز لطيفة القعود بالتزكية بعد انسحاب منافسيها المرشحين الرجال في دائرتها.
وكان من الواضح جيداً أن تمكين المرأة في البحرين من حق المشاركة في الترشح والانتخاب بعد استئناف الحياة البرلمانية شكّل حافزاً للكويتيين المؤمنين بهذا الحق على المطالبة به للمرأة، وبذلت القيادة السياسية الكويتية الدور الأكبر في هذا الصدد، لكن القوى المتشددة وقفت في وجهها بالمرصاد وبذلت كل ما بوسعها لعرقلة تلك المساعي ونجحت في ذلك حتى عام 2005م وهو العام الذي نجحت الحكومة والقوى السياسية المستنيرة من مختلف التيارات والفئات في تأمين وفرض حق المرأة الكويتية في المشاركة.
على أن النساء الكويتيات ورغم هذا الانتصار الذي حققنه بممارسة حقهن في الانتخاب والترشح لم يقابله انتصار في التمكن من الفوز بانتخابات عامي 2006 و2008 بسبب اصطفاف قوى للتيار الديني المعادي لحق مشاركتهن الانتخابية، فما بالك بحقهن في الترشح؟ وعوّضت القيادة السياسية الكويتية هذا الفشل الذي مُنيت به المرأة عام 2005م بأن عينت أول امرأة كويتية، ألا هي معصومة المبارك، في تشكيلتها الحكومية دونما النظر إلى معتقدها الفكري أو منحدرها الفئوي، حيث ان الكويت تزخر بالكفاءات النسائية من مختلف العرقيات والفئات والطوائف. وهكذا وعلى طريقة “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم” فإن الاضطرابات والعواصف التي شهدتها الحياة النيابية في السنوات الخمس الماضية والتي أدت إلى حل البرلمان دستورياً ثلاث مرات أفرزت عن ايجابيتين مهمتين، في المرة الأولى تمكنت الحكومة والقوى المقتنعة بحق المرأة في المشاركة السياسية من فرض هذا الحق في انتخابات .2005 وفي المرة الثانية ممثلة في الانتخابات الأخيرة فقد فجرت المرأة الكويتية مفاجأة مدوية من العيار الثقيل وذلك بانتزاعها أربعة مقاعد، وكان من ضمن الفائزات الوزيرة السابقة معصومة المبارك، إلى جانب رولا دشتي واسيل العوضي وسلوى الجسار.
وكان أجمل ما في فوز هؤلاء الأربع انهن يمثلن الفسيفساء الجميل للنسيج الوطني للشعب الكويتي والذي يتماثل في مكوناته مع نسيجنا الوطني. ولك أن تتأمل في الأسماء للتأكد من هذه الحقيقة. والراجح ان التصويت لكل منهن لم يقم في الغالب على دوافع واصطفافات مذهبية، نقول في “الغالب” لأن مثل هذه النزعات تبقى موجودة عند الناخبين بنسبة أو أخرى، ولا يمكن التخلص منها في المرحلة التاريخية الراهنة بين عشية وضحاها.
والمفاجأة المدوية التي فجرتها المرأة الكويتية لا يقتصر بطبيعة الحال دويها وصداها على الفضاء الكويتي والخليجي فحسب بل ويمتد إلى فضاء العالم العربي برمته، إذا ما عرفنا ان انتصاراً بهذا الحجم يبدو في المرحلة التاريخية المظلمة الراهنة أشبه بالمعجزة حتى لو جرى في أكثر الدول العربية عراقة في حركاتها النسائية، كمصر والعراق وسوريا ولبنان. ولئن صحت المقولة “ليس هناك أعداء أو اصدقاء دائمون في السياسة” يصح القول ليس ثمة ثوابت أبدية لا تتزحزح قيد أنملة من دون مفاجآت في الصراعات السياسية والاجتماعية وفي أمزجة ووعي الناخبين حتى في ظل المؤشرات الغالبة التي تطبع كل مرحلة تاريخية بسماتها المميزة. وهكذا فخلال شهر واحد لقن الناخبون في بلدين إسلاميين، اندونيسيا والكويت، درساً للتيارات الإسلامية المتشددة والمتطرفة بعد أن ملّوا مناكفاتهم وصراعاتهم الشكلية على حساب مصالحهم الآنية. ففي اندونيسيا خسرت تلك التيارات نسبة كبيرة من المقاعد في الانتخابات الأخيرة. وفي الكويت كما نعلم لم تقتصر النتائج على فوز أربع نساء فحسب، بل وعن خسارة “الإخوان” والمتشددين مقاعد عديدة.
وتأسيساً على كل ما تقدم يمكننا القول إن ثمة دروسا مستخلصة من النتائج الانتخابات الكويتية الأخيرة جديرة بالإمعان فيها جيداً للاستفادة منها ليس كويتياً فقط، بل وعلى الصعيد العربي بوجه عام وعلى الصعيد البحريني بوجه خاص، لاسيما اننا مقبلون على أبواب انتخابات قريبة تجرى في خريف العام القادم.
صحيفة اخبار الخليج
24 مايو 2009