تابعت الندوة الحوارية التي نشرتها جريدة الأيام بتاريخ 5 مايو 2009 والتي أدارها الزميل سعيد الحمد وتحدث فيها كل من الأخوة عبدالله الدوسري ومحمد الحلواجي عضوي مجلسي النواب والشورى على التوالي، بالإضافة إلى رئيس جمعية الحقوقيين المحامي يوسف الهاشمي. سياق الحديث خلال الندوة لم يذهب بعيدا عن سياق حوار مماثل آخر عرضه تلفزيون البحرين قبل ذلك بأسبوع ضمن برنامج «الميزان» مع ممثلين آخرين لمجلسي الشورى والنواب. ما أردت قوله هنا ان المشاركين في ندوة «الأيام» لم يجيبوا على الكثير من تساؤلات الشارع أثناء حديثهم بالرغم من أن أسئلة المحاور كانت مركزة ودقيقة، فقد تاهت إجابات ممثلي السلطة التشريعية تحديدا، ولم تخلُ بعضها من أحكام مسبقة، وهناك خلط وتكرار لا يخلو من تعمد في بعض مواضع الإجابات، وأعطي هنا بعض الأمثلة للتدليل على ما أقول، فعندما جاء السؤال مركزا: هل تدعون الجمعيات التي تعمل وفق القانون للذهاب بآلية معينة وموحدة للتحاور مع السلطة التشريعية؟ جاء الرد هكذا: «نحن نرحب بالحوار عبر القناة التشريعية.. الدعوات التي تنطلق الآن هي محاولة للقفز على السلطة التشريعية التي لها حق التحدث باسم الشعب» وهنا يجب أن نتوقف قليلا لنؤكد أن أصحاب مبادرة الحوار لم يمارسوا القفز على السلطة التشريعية، بل بالعكس كانت وجهتهم الأولى وقبل أي شيء آخر لشرح مبادرتهم الخيّرة باتجاه الغرفتين المنتخبة والمعينة ممثلة برئيسي المجلسين حيث لقيت كل استحسان وترحيب منهما، وكنت شاهدا على ذلك وكنا في وارد الاستماع إلى أي تطوير يمكن أن يُدخل على المبادرة حيث سلمنا نسخا منها إليهما للعلم والاطلاع وبالتالي الحوار حول مضمونها فأين هو القفز هنا؟ وفي موضع آخر جاءت إجابة أحدهم كالتالي «ما لاحظته أن الذين ينشدون الحوار هم بمنأى عن التوافق مع المجلس النيابي، أنا أعتقد أنهم ليسوا بدرجة الجدية وأن كانت لديهم الجدية يجب أن يعترفوا بوجود سلطة تشريعية ويقوموا بالاتصال بها والتوافق على آلية للحوار وتقديمها عبر المؤسسات التشريعية حسب القانون» وبعيدا عن الخلط الواضح هنا، أريد أن اُذّكر صديقنا العزيز «بوراشد» بأن من أطلقوا مبادرة الحوار هم الطرف المعارض الذي شارك في برلمان 2002 وكانت له كتلة برلمانية اسمها كتلة النواب الديمقراطيين وهم من شاركوا بجدية في انتخابات 2006، علاوة على ذلك فإن الجمعيات المعارضة الست هي الأخرى أعلنت تبنيها مبادرة «التقدمي» للحوار الوطني بكل بنودها ومن ضمنها جمعية سياسية ممثلة بأكبر كتلة برلمانية وأقصد بها «كتلة الوفاق» فأين يكمن عدم الاعتراف إذا؟! وحيث لا يتسع المجال للرد على كل ما جاء من ردود وردت في الحوار الصحفي، فقط نذّكر الأخوة أنه إبان مسيرة برلمان 2002 كانت هناك حوارات حول الكثير من القضايا وشاركت فيها السلطة التشريعية إلى جانب مختلف مؤسسات المجتمع المدني حتى خارج قبة البرلمان وتركز بعضها حول مسائل مفصلية نذكر منه مناقشة مشروع مكنزي بكل أبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومشروعي تنظيم سوق العمل وصندوق العمل وقانون العمل وقانوني النقابات والصحافة، وكانت حوارات مثمرة إلى ابعد الحدود واستفادت منها الحكومة في تعديل وتطوير تلك القوانين، فأين المشكلة في حوارات نتشارك فيها بتلك الروحية؟ ونتفق تماما مع المتحاورين أن مثل هكذا حوارات يجب أن تشارك فيها مؤسسات سياسية ومدنية وحقوقية ذات شرعية قانونية وشخصيات وطنية أيضا، كما أن آليات الحوار التي تنشدونها يمكن أن تطرح من قبل أطراف الحوار وليس من قبل من طرحوا المبادرة لوحدهم حتى نضمن التوافق وتقريب المواقف. وأختم بتساؤلات أرجو الإجابة عنها وانتم تبررون رفض الحوار وتضعون قيودا حوله، ما الذي ستقولونه غدا على سبيل المثال عندما يبادر جلالة الملك حفظه الله كما عودنا دائما ببعد نظره وثاقب رؤيته بالدعوة لبدء الحوار الوطني وبرعاية السلطة التشريعية وبمشاركة مختلف المؤسسات والشخصيات الوطنية ذات العلاقة؟! ثم ما الذي يمنع مجلس النواب كمؤسسة من المبادرة للدعوة للحوار بدلا من إضاعة الوقت في تبريرات البعض وحساباتهم وأحيانا تباكيهم، فما الذي ينتظره مجلس الشعب يا ترى؟ أليس من مسؤولياته أن يكون مبادرا للتصدي لهذه المهمة الوطنية باعتباره مؤتمنا على مصالح الوطن والشعب؟! أرجو أن تتفقوا معي أيها الأخوة أن قضايانا لن تحل بتعزيز منطق الخصومة والاصطفافات والولاءات أو حتى الهروب إلى الأمام إنما عبر بوابة العمل الوطني الجاد والمخلص حيث يكون الخيار ليكون الوطن.
صحيفة الايام
24 مايو 2009