منذ تأسيس “رابطة طلبة البحرين في القاهرة” خلال أواسط خمسينيات القرن الماضي التي تم تفعيلها في منتصف الخمسينيات حتى بلغت أوج قوتها ونشاطها في مطلع السبعينيات، وحيث تحولت عندئذ الى واحد من أكبر فروع الاتحاد الوطني لطلبة البحرين غداة تأسيسه عام 1972، لم يشتهر اسم شارع من شوارع القاهرة لدى خريجي جامعات القاهرة البحرينيين كما اشتهر “شارع الدكتور السبكي”، ومازال هذا الشارع محفورا بقوة في ذاكرة أجيال متعاقبة من هؤلاء الخريجين، والسبب ببساطة يتمثل في ان هذا الشارع، وعلى الرغم من انه ليس سوى شارع عادي صغير في منطقة الدقي القريبة من جامعة القاهرة، ويتفرع من شارع الدقي الرئيسي الكبير مثله في ذلك مثل شوارع اخرى عديدة متفرعة من هذا الشارع وموازية له، فإن في نهايته، وتحديدا خلف المدينة الجامعية جنوبا، تقع الفيلة العادية الصغيرة التي اتخذوا منها مقرا لرابطتهم ثم لفرعهم، وهذا المقر يجمعهم مساء كل يوم، ويشهد على امتداد ساعات طويلة حتى الفجر في أغلب ليالي الاسبوع أنشطة وبرامج عمل متنوعة ومناسبات مختلفة وان كانت تطغى عليها في أغلب الأحيان الانشطة السياسية، وحيث شهد هذا المقر الصغير ذاته صولات وجولات من المعارك والمجادلات المحتدمة بين التيارات السياسية المتصارعة في صفوف اعضائه، لكن ومع ذلك ظل هذا المقر في الوقت نفسه يرتبط في مخيلتهم وذاكرتهم الجمعية الى يومنا هذا وسيظل يرتبط بأحلى وامتع الأوقات التي امضوها في حياتهم الطلابية، من كلا الجنسين، بالقاهرة.
ذلك بأن مقر رابطة ثم “فرع القاهرة” بشارع السبكي لم يكن مجرد ملتقى طلابي للأنشطة السياسية فحسب، بل كان مقرا لتنظيم أمتع حفلاتهم الفنية، ولقضاء وممارسة هواياتهم المختلفة الثقافية والفنية والرياضية، وبضمنها تنس الطاولة، والكيرم، والدومنة، والورق، والشطرنج، علاوة على تنظيم برامج كرة القدم، كمباريات الفرع مع الفرق الطلابية المصرية وفرق فروع الاتحاد في عواصم ومدن البلدان العربية الاخرى.
وفي هذا السياق يحضرني الآن مقال صحفي رياضي قيم عن الاولمبياد للأستاذ جاسم أمين نشر في مجلة رابطة القاهرة عام 1965، ثم أعيد نشره في الزميلة “الوسط” الصيف الماضي عشية افتتاح أولمبياد بكين الأخير، وكان هذا المقال أشبة بواحدة من الوثائق التاريخية النادرة التي تؤرخ لعراقة هذه المنظمة الطلابية البحرينية الفريدة في تقديري من نوعها ما بين كل المنظمات الطلابية الخارجية قبل تأسيس اتحاد الطلبة. كما كانت الرابطة – الفرع مقرا لتنظيم أمتع الرحلات سواء في القاهرة أم الى المناطق والمدن السياحية والاثرية المصرية الاخرى، مثل صحارى سيتي، الفيوم، الاسكندرية، الأقصر واسوان، وغيرها. علما بأن الرحلات التي تنظم الى خارج القاهرة تمتد أياما.
ولا يقتصر ارتباط هذا المقر في مخيلة أجيال متعاقبة من خريجي القاهرة على قضائهم فيه طوال حياتهم الدراسية أمتع الأوقات والسهرات التي تتخللها عادة تلك البرامج والانشطة السياسية والثقافية والاجتماعية المختلفة، بل يرتبط المقر ومسماه لدى العديد منهم بأجمل الاوقات الحميمية رومانسية وخصوصية، حيث كان ملتقى للكثير من العلاقات الانسانية العاطفية بين الطلاب والطالبات التي تنتهي إما بالدخول الى القفص الذهبي بعد التخرج والعودة للوطن، وإما الى الفشل، فتغدو في مخيلاتهم بعدئذ ذكرى مطوية غير منسية من ذكريات سنوات المراهقة والشباب الممتعة في تلك العاصمة العربية الفاتنة خلال ذلك الزمن الجميل، الذي قد لا يجود الزمان بآخر مثله.
قبل نحو ثلاثة أسابيع كتبت في هذه الزاوية عن الحاجة إلى أن يبادر جميع خريجي الجامعات العربية والأجنبية البحرينيين الى إقامة روابط فيما بينهم يلتقون وينشطون من خلالها لتوطيد صداقاتهم القديمة وبرامجهم وعلاقاتهم الاجتماعية بما ينفع الوطن، واستعادة ذكرياتهم الجميلة، وتمتين أواصر العلاقات الشعبية مع البلدان التي درسوا فيها، كمصر والعراق وسوريا والكويت والسعودية الاتحاد السوفييتي السابق. علما بأن مثل هذه الملتقيات والروابط موجودة في بعض البلدان العربية الاخرى، كلبنان وسوريا التي توجد فيها رابطة تعرف بـ ” رابطة الجامعات الروسية والسوفييتية” وحيث يبلغ عدد الخريجين السوريين في هذه الجامعات اكثر من ألف شخص، وقد عقدوا ملتقاهم في اكتوبر الماضي.
ولقد سرني جدا بعد كتابة المقال بأسبوع ان بادرت مؤخرا ثلة من طلبة خريجي جامعات القاهرة الى تنظيم حفل كبير يجمع هؤلاء الخريجين وتحديدا خلال العقد 1970 – 1980، الذي يعد بحق العقد الذهبي في حياة هذه المنظمة الطلابية (رابطة/ فرع القاهرة) وحيث بلغ عدد خريجي تلك الفترة ما يقرب من 3 آلاف طالب وطالبة.
واذ تأخر طلبة القاهرة كثيرا في تنظيم مثل هذا الحفل أو الملتقى الذي سيجمع هذا المساء حشدا كبيرا من الخريجين من أجيال مختلفة خلال العشرية المذكورة، فان الآمال الكبيرة معلقة عليهم بألا يجعلوا هذا الحفل مجرد ملتقى سمر ترفيهي حتى لو تخلله عرض للصور والأفلام الوثائقية عن تلك الحقبة، بل ان ينطلقوا منه لتأسيس رابطة أو ملتقى دائم لخريجي القاهرة يجتمع ولو أربع مرات في السنة من أجل تحقيق الغايات التي أشرنا إليها آنفا.
وإذ لا يفوتني في هذه المناسبة سوى ان أعرب عن شكري وتقديري لاهتمام الصديقين العزيزين: جمال المؤيد (نجل المرحوم إبراهيم المؤيد، رئيس مجلس إدارة أخبار الخليج الراحل) وجمال فخرو (عضو مجلس الشورى) بدعوتي والحاحهما وتشديدهما علي بالحضور، فإني إذ اعتذر لهما وللجميع عن عدم الحضور بأسف شديد لظروف عائلية انسانية طارئة قاهرة، أقول لهما ولكل الحاضرين “طاب مساؤكم”، وأشد على أيديكم جميعا، متمنيا لكم قضاء أمسية جميلة تذرفون خلالها دموع فرح استرجاع أحلى الذكريات التي لا تنسى بينما لسان حالكم يقول: “أيا ليت الشباب يعود يوما”..
وكل عام وأنتم بخير.
صحيفة اخبار الخليج
21 مايو 2009