المنشور

رائـد «الديمقراطية الخليجية» في مفترق الطرق


يتوجه الناخبون الكويتيون اليوم إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نواب مجلس الأمة 2009 الجديد، في مشهد دراماتيكي مثير للجدل، في بلد يعتبر رائداً لما قد نسميه ‘’الديمقراطية الخليجية’’، تمتد تجربتها لفترة زمنية تقترب من نصف قرن (منذ 1962).
تُشكّل هذه الانتخابات مرحلة مصيرية للكويت المعاصرة، سيتمخض عن نتائجها توجه مؤشر بوصلة مصير الحياة الديمقراطية الكويتية، فيما إذا كان مجلس الأمة الكويتي القادم سيقضي فترة سنواته القانونية والدستورية الاعتيادية الأربع أم تُختزل – تلك الفترة- مبتورة كسابقاتها القريبات الماضيات. في هذا السياق لابد من الإشارة أنه رغم عدم السماح القانوني للأحزاب السياسية حتى الآن، فإن فرض الأمر الواقع هو سمة الوضع الحالي المتعلق بوجود تجمعات سياسية متباينة النهج والأهداف، تعود لمختلف الطيف السياسي.. ابتداءً من أقواها المتمثلة في؛ التيار اليميني الديني المتزمّت مروراً بالليبرالية، وصولاً إلى اليسار بتلاوينه (الحلقة الأضعف)، في التجمعات السياسية غير الرسمية وغير القانونية !
تميّزت الحياة البرلمانية الكويتية دائماً بديناميكية مشهودة، زادت سخونتها بدءً من منتصف سبعينات القرن الماضي، حينما تعثّرت التجربة لأول مرة، قام الأمير خلالها بحل البرلمان في سنة 1976 وعُلقت الحياة البرلمانية لمدة خمس سنوات، عادت فيها بجولات جديدة من الصراعات والمناكفات، برز خلالها فرسان جُدد في المعارضة البرلمانية، مما حدا بأمير الكويت مرة أخرى لحل البرلمان وتعليق الحياة النيابية في سنة 1986، لمدة ست سنوات أخرى، لم تعد خلالها الديمقراطية إلى الكويت إلاّ مع حرب التحرير، بمساعدة الدبابات الأميركية، في مستهل تسعينات القرن الماضي. إلاّ أنه مع نشوء الظرف الدولي الجديد وتأثيراته على الكويت في السنوات الفاصلة بين الألفيتين الثانية والثالثة، اضطر الحكم أن يحل البرلمان مرات عديدة؛ كانت الثالثة في سنة 1999، والرابعة في سنة 2006 ، والخامسة في سنة 2008 ، وأخيرا ( قد لا يكون آخراً ) السادسة في سنة 2009 الحالية
يتنافس في هذه الانتخابات 211 مترشحاً كويتياً ( 194 رجلا و 16/ 17 امرأة ) على 50 مقعداً برلمانياً، تنوب عن خمس دوائر انتخابية. يَعكس هؤلاء جميعهم تركيبة وذهنية المجتمع الكويتي (المحافظ وشبه المنفتح)؛ الإثنية والطائفية والقبلية، يُشكّل جُلّهم محافظين دينيين وقبليين مع أقلية عصرية من النساء والرجال، تهفو – الأقلية النوعية المستقبلية هذه – إلى تدشين مجتمع مدني عصري، عماده دولة المؤسسات والقانون، يرتكز على فصل مبدأ الدين عن الدولة (عدم استخدام الدين في الشؤون المصلحية السياسية). بينما لا تريد ‘’الأكثرية’’ السائدة الحفاظ على المنظومة المستبدة الذكورية (اجتماعيا وثقافيا) فحسب، بل تحاول فرض ‘’تغيير’’ إلى الخلف، من خلال تكتيك سلك طريق الابتزاز والضغط على الحكم.. أي الحلم في رجوع عقارب الساعة إلى الوراء بُغية العودة إلى الحكم ‘’الإسلامي’’ الخالص، ذي منهاج ‘’طلباني’’ قُحّ، الأمر الذي يتجلى في العداء الشديد لهذا التيار العتيق تجاه حق المرأة القانوني والديني للمساواة مع أخيها الرجل، المعيار الأول لمدى جدية أية حركة أو نظام يريد فعلاً التقدم للبلاد والعباد
شبّت الحملات الانتخابية مبكراً، شنّ فيها المترشحون الملتحون ، فرسان ‘’الإسلام السياسي ‘’، حملة شعواء ضد المترشحات من النساء (السافرات والمحجبات)، تركّزت في الأيام القليلة الماضية حول موضوعهم المفضل وهدفهم ‘’الأسمى’’ في الحياة، المركون على فلسفة القرونوسطية، المتأتية من عصور الانحطاط والجالبة لثقافة العداء الذكوري المطلق للمرأة واستبعادها عن ‘’الولاية الصغرى’’. بات المشهد الانتخابي وكأنه استفتاء عام على عدم أحقية المرأة في محاولتها دخول البرلمان، معتبرين ذلك أصعب من دخول إبليس الجنة، الأمر الذي عبّر عنه بوضوح ممثلو تحالف المجموعتين الأساسيتين للإسلام السياسي السلفي والإخواني (التحالف السلفي الإسلامي / الحركة الدستورية الإسلامية) من خلال الميديا (المرئية خاصة) المتوافرة لهم، وغيرها من الوسائل والأموال التي توجد تحت تصرفهم ما هو أُسّ المشكل الكويتي، الذي يشهد صراعاته وتناقضاته كل مجالات المجتمع الكويتي، يتركّز خاصة في الساحة والحلبة البرلمانية؟ .. وعلى ماذا يجري بالضبط هذا الخلاف المزمن، الذي لا يجد فيه الحكم في كل مرة مخرجاً آخراً غير الحق الدستوري الأعلى المتمثل في السلطة المطلقة للأمير في الحالات الاستثنائية، التي تُخوّل رأس الحكم من توقيف زمني مؤقت للحياة البرلمانية؟ بالطبع لا يختلف المجتمع الكويتي كثيراً عن المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية من حيث تركيبتها وثقافتها ومشاكلها الكثيرة. إلا أن للكويت (حالها كحال الدول الأخرى)، خصوصيتها أيضا، التي لا يمكننا في هذه العجالة من معرفة تفاصيل شعابها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجيوبوليتيكية وغيرها، للوصول إلى أرقامها الإحصائية في شتى المجالات الحيوية (الاقتصادية والاستثمارية خصوصا) حتى يتسنى لنا تحليل الأرقام وتفتيت سحرها المكنون. يعزى ذلك بالطبع إلى شحّ قنوات حرية الوصول إلى مصادر المعلومات، مَثَل الكويت في هذا كمثل بقية البلدان العربية، التي تعتبر المعلومات الاستثمارية العامة والخاصة والوصول إلى دهاليزها من أسرار الدولة العليا.. على أية حال لنا وقفة أخرى حول الموضوع بعد ظهور نتائج الانتخابات.
 
الوقت 16 مايو 2009