في مطلع هذا الشهر استضاف مجلس الدوي في المحرق، المحاضر في جامعة البحرين د. ابراهيم عبدالله القلاف وقد كان موضوع الندوة رؤية تحليلية لمنظومة التعليم العالي الجامعي في مملكة البحرين «طموحات الميثاق».
كان بودنا في طرحه وسرده لهذه الورقة المهمة ان يتطرق بشيء من التفصيل عن تحديات التعليم العالي، ليس من حيث مخرجاته التي هي في أمس الحاجة لتتناسب ومتطلبات سوق العمل فحسب، وإنما أيضا لهذا الكم من الجامعات الخاصة التي أصبح بعضها يتنافس لتحقيق الربحية فقط على حساب التحصيل العلمي والبحث عن المعرفة واكتساب المهارات.
على أية حال، لماذا الكثير من الجامعات ومراكز البحوث في الدول العربية غير قادرة على التصدي للكثير من المشاكل والأزمات العلمية والثقافية؟ سؤال نعتقد نحن معنيون به لان التعليم في بلادنا رغم تطوره سيظل بحاجة إلى إصلاح.. ونعني من ذلك وجود تشريعات وقوانين وممارسات قائمة على الأسس الديمقراطية، وفضلا عن ذلك تطوير علاقة التعليم بالتنمية، وبالإضافة إلى هذا وذاك ميزانية التعليم التي يجب أن توفرها الميزانية العامة للدولة بسخاء.
على العموم يستطرد «القلاف» في مقدمة ورقته في إعطاء صورة واسعة عن المكانة العلمية المرموقة التي تتحلى بها الجامعات الأجنبية المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا وكندا وأستراليا، ومن هنا كان يعتقد وهو محق في اعتقاده ان هذه المكانة لم تأتِ من فراغ بل بجهود كبيرة في مجال التعليم العالي، والبحث العلمي وفي هذا السياق يقول: ان أمريكا على سبيل المثال تنفق «40» في المئة على التعليم العالي و«35» في المئة على البحوث العلمية داخل امريكا من إجمالي ما ينفقه العالم عليها حسب إحصائيات 2005، ورغم كل ذلك تجد هذه البلاد صعوبة في تلبية طلبات الطلاب الراغبين في الالتحاق بها، وخاصة بعد أحداث سبتمبر التي زادت صعوبات الحصول على «فيزا» دخول الولايات المتحدة، الامر الذي دفع بالجامعات الأمريكية خاصة والأجنبية الأخرى عامة الى فتح فروع لها وعلى وجه الخصوص في الخليج والدول العربية، وكذلك الدول الآسيوية، ومن الحقائق التي اشارت اليها هذه الورقة هي ان بعض الحكومات العربية اعتمدت سياسات تنموية واستراتيجيات تعليمية لتضيق الهوة بين الدراسات الاكاديمية وسوق العمل والبطالة على المستوى العالمي، وكنتيجة مباشرة للعولمة ببعديها الاقتصادي والثقافي تم إعادة التفكير في التعليم الجامعي واعتباره سلعة خدماتية وسلعة قابلة للتصدير..
لقد شجع هذا المفهوم العديد من رؤوس الأموال على الاستثمار في التعليم الجامعي الخاص. ومما له دلالة مهمة لدى «القلاف» هو ان التعليم الجامعي لاعتباره مكوناً أساسياً من عملية البناء، وبالتالي لابد له من تحقيق أركانه الثلاثة أو ما يسميه بالأعمدة الثلاثة:
أولها ان يقوم على التفكير الحر وتشجيع النقاش والنقد والبحث وإخضاع كل ذلك لمقاييس كونية في سياق عصرها.. وحرية الرأي الجامعية هي حرية آراء نقدية تحليلية.
والثاني الجانب المجتمعي وهو يقوم على بناء المواطن المنتمي لوطن ولغة وثقافة والوعي لفرديته وحقوقه كمواطن.
وثالث هذه الأعمدة او بالأحرى المرتكزات هو البحث العلمي الذي يحتاج الى استثمار والى تقدير اجتماعي..
ان اضعاف هذه المحاور قد تم بالفعل في التعليم الجامعي العربي، والاخطر من ذلك كما يقول: في بعض الدول حصل الأخطر اذ وجد فساد مستشرٍ طريقه الى المؤسسة الجامعية العربية وفي نظام التعيينات والترقية بدل معيار النجاح في البحث والتدريس. ويا ترى هل هذه الاعمدة متوفرة في جامعاتنا ومعاهدنا الحكومية والخاصة؟ وان توافرت الى اي مدى؟ وفي ختام الورقة يستعرض.. «القلاف» بعض المعلومات المختصرة جدا عن الجامعات والمعاهد التي فتحت بعد الميثاق الوطني عام «2001» ومن هذه المعلومات هناك اكثر من «25» جامعة ومعهداً مرخصة، وهناك ايضا ما يقارب «4500» طالب في التعليم العالي الخاص من اجمالي «25» ألف طالب.. وفي الختام أيضا يستعرض بعض نتائج مشروع تطوير التعليم والتدريب «مشروع مكنزي» من أهمها: ضمان الجودة هيئة مستقلة تستهدف الإصلاح، كلية المعلمين إصلاح المعلم وعملية التعليم، كلية البحرين للتقنية البوليتكنيك تستهدف تخريج فنيين. وأخيرا هناك تحذيرات أطلقها «القلاف» تجنبها يعد أساسا لتطوير التعليم العالي، ومن هذه التحذيرات المهمة أن إصلاح التعليم يجب أن لايحبط بمرئيات وانتماءات غير علمية وغير أكاديمية وغير مصلحية وربحية في آن واحد.
الأيام 16 مايو 2009