توقعنا أن يكون الحديث في شأن الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2010 مبكراً بعض الشيٍء، إلا أن بعض القوى والأطراف لها حساباتها التي تجعلها ترى أن الفترة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات هي قريبة جداً لابد من الاستعداد لها من الآن، وهي محقة في ذلك دون ريب، ومن هنا فإننا لاشك سوف نشهد وفي فترة هي أقرب مما نظن دوياً متصاعداً من قبل قوى وجهات عدة قررت خوض معمعة الانتخابات وربما من جانب أطراف أخرى تريد أن توجه وترسم مسار الخريطة الانتخابية، ليبدأ الضجيج الانتخابي الذي نرجو أن يكون هذه المرة بعيداً عن المناورات والمؤامرات والمساومات والمحاصصات التي تدور حول الأبواب المغلقة أسوأ ما فيها في أصلها ومنتهاها أنها تأتي برياح خبيثة تنال من عافية البلاد وتجعل كافة الثوابت موضع جدل ومنازعة خاصة حينما تستنهض الهمم الطائفية والمذهبية وتستبعد القوى الوطنية. بصرف النظر عن أي تحليلات واستنتاجات حول طبيعة مسارات العملية الانتخابية المقبلة، أو حول طبيعة التحالفات والتفاهمات ذات الصلة بمجريات الشأن الانتخابي التي ستتكون وستتباين وستشذب وتغربل بفعل الطموحات والأدوار والحسابات والاعتبارات والمصالح وكل ما سيبنى على الشيء ومقتضاه، بصرف النظر عن ذلك قد يكون من المهم علينا من الآن أن نتابع ونراقب ما سيزخر به المشهد المحلي في القادم من الأيام من مظاهر وصور ومواقف وتصريحات وإشارات من هنا وهناك قد تشكل مفترقاً بين اختبارات واتجاهات وصراعات وانزلاقات واصطفافات ليس من اليسير حتى الآن على الأقل التكهن بها وبنتائجها. نعلم جيداً .. أنه سيظهر لنا في القريب العاجل من يصر على خلط الحابل بالنابل من أجل تكريس ثقافة التجاذب والاستقطاب، ولعلكم تذكرون الأجواء الانتخابية الماضية التي تعرض فيها المواطن لكل أنواع الضغوط والإغراءات والفزعات والخطابات التي فيها الكثير مما يثير الالتباس والتشنج والتحريض والشحن الطائفي، وليس فيها إلا النزر اليسير الذي يتوجه نحو عقول الناس بلغة الخيارات الوطنية والبرامج الوطنية. الذين يحسنون التقاط الإشارات يمكن لهم إذا شاءوا أن يتوقفوا ويمعنوا في الكثير من التصريحات والمواقف الأخيرة لنواب كثر، وأيضاً من بعض من ظهروا لنا فجأة وباتوا يعدون أنفسهم من قادة الرأي العام، أو المجتمع المدني، فمنهم من نصب نفسه وصياً على العمل الوطني ليمارس الإفتاء في كل صغيرة وكبيرة، وقرر شروط اللياقة على البعض وأعطى لنفسه الحق في منح شهادات حسن السيرة والسلوك لآخرين حيال قضايا مثارة ومثيرة في صورة يختلط فيها سوء الفهم مع سوء القصد، وأحسب أنني في غنى عن التفصيل وشرح هذه التصريحات والمواقف لأنها نشرت وباتت موثقة ومعلومة للجميع، وبات من يحسنون التقاط الإشارات على علم بأشكالها وبدافعها وخلفياتها. الذين تابعوا المشهد في الأيام الأخيرة، لاشك أنهم سيخلصون ضمن ما يمكن ملاحظته، أن هذا الذي أمامهم الآن ما هو إلا مجرد بالونات الاختبار أطلقها حتى الآن أكثر من نائب ممن أعلنوا على الملأ بأنهم لن يترشحوا للانتخابات القادمة، طبعاً ليس من نفس المنطلق الذي أطلقه النائب الكويتي السابق محمد جاسم الصقر حينما اتخذ قراره المفاجئ بعدم خوض انتخابات مجلس الأمة الكويتي والانسحاب من الحياة السياسية بذريعة أن «الحكم يحتاج إلى الرؤية، ومجلس النواب يحتاج إلى القدرة، والحكومة تحتاج إلى الكفاءة، والديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين، والإصلاح يحتاج إلى شجاعة القرار» ..
من المؤكد أن ما يثيره نوابنا ليس من هذا المنطلق ولكن حتماً من منطلقات وحسابات أخرى لا تتصل بتقييم التجربة البرلمانية، أو مستوى الأداء البرلماني، وبالمدى الذي تحقق للعناوين والشعارات التي رفعها هؤلاء النواب قبل وصلوهم إلى قبة البرلمان، رغم أنها تعرضت لكثير من القضايا وفي مقدمتها محاربة الفساد، ومن المؤسف على هذا الصعيد أن البرلمان لم يحقق خطوة فعلية على صعيد محاربته تلبي ما ينشده المواطن، ولعل تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير الذي لم يحظ بالتفاتة جادة من نوابنا حتى الآن دليل كافٍ على ذلك. نعود ونقول ليس من المنطلقات والدوافع المذكورة قرر هذا النائب أو ذاك صرف النظر عن خوض الانتخابات، ولكن وهذا هو الأرجح، هو موقف آني «يتعزز» فيه النائب ليفاجئنا بأنه عدل عن قراره نزولاً عند رغبة الجماهير، وليس ببعيد أن يقول لنا هذا المرشح أو ذاك بأنه ترشح للقيام بواجبه نحو وطنه وغيرته عليه.. وقد يكون من الخطأ أن نتوقع أن يظهر لنا هذا النائب أو ذاك ليقولا لنا بأنهما قاما بدورهما في خدمة البحرين خلال السنوات الماضية وأنهما اجتهدا وقدما ما يستطيعان لبلدهما بما يرضي الله ويرضي ضميرهما، وأنهما يتركان المجال ليتيحا الفرصة لأهل الكفاءة في خدمة الوطن. لا تتوقعوا ذلك، فنوابنا على غرار رؤساء دول وسياسيين عرب أعلنوا في يوم من الأيام انسحابهم من الحياة السياسية ثم عدلوا عن ذلك، بذريعة نزولهم عند رغبة الجماهير التي خرجت أو أخرجت في مشهد عبثي تبكي وتولول وتطالب بعودة الزعيم الملهم والقائد الفذ ليكمل مهمته المقدسة، بالطبع لن نخرج لنضغط على النواب المعنيين ليعاودوا الكرّة بالترشح لأسباب لاشك أنها معلومة للجميع. وطالما أن العجلة الانتخابية بدأت بالدوران أو على وشك الدوران .. فدعونا نستمتع بالعرض.. !!