قبل أقل من شهر كانت دعوتنا للحوار الوطني موضوعاً لاستهجان العديدين: أسئلة وراء أسئلة انهالت علينا في الحوارات والكتابات: الحوار حول ماذا؟، الحوار مع مَن؟، مَن سيحاور مَن؟. انقلب الأمر اليوم، فالجميع مع الحوار. الحكومة مع الحوار وتطالب به، المنبر الإسلامي وجمعية الأصالة وغيرهما مع الحوار، مع الحوار أيضاً الجمعيات السياسية المعارضة بكافة أطيافها، وبالحوار أيضاً يطالب حسن مشيمع وحركة حق، وبه يطالب عبد الوهاب حسين والمقداد، وربما يطالب به جاسم السعيدي أيضاً. مؤسسات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية هي الأخرى ترى في الحوار مخرجاً. صحافتنا الوطنية لم تشذ عن القاعدة: افتح كل صحفنا اليومية بدون استثناء واقرأ الافتتاحيات والأعمدة الصحافية، حتى غلاة من كانوا قبل شهر فقط يستهزؤون بفكرة الحوار في أعمدتهم، انقلبوا بين عشية وضحاها ليصبحوا دعاة حوار وطني، الذي لم يكن له قبل حين، حسب رأيهم، أي ضرورة، فسبحان مغير الأحوال. هناك تطور جديد مهم: المجلس الوطني بغرفتيه، وكل الكتل النيابية، وكل أعضاء مجلس الشورى دعاة أشداء للحوار جميل جداً. لا أحد ضد الحوار اليوم، كل البلد مع الحوار: حكومة وشعباً ومجلسا النواب والشورى والصحافة والفعاليات، لكن يظل السؤال المحير عالقاً في الهواء: أين الحوار؟ المنبر التقدمي قال في بياناته وكتابات كوادره أن لديه من الواقعية والحنكة ما يجعله يدرك أن الحوار مهمة شاقة وطويلة ومعقدة، ويدرك « التقدمي» أن الحوار لن يبدأ في العاشرة صباحاً لينتهي عند الواحدة بعد الظهر، وقد حل مشاكل البلد المتفاقمة منذ ثلاثين عاماً وأكثر. قلنا أننا نريد حواراً، وطنياً، شاملاً، تنظمه آليات مستديمة، وقلنا أيضاً أنه يجب أن يكون للسلطة التشريعية دور مهم في هذا الحوار، بالنظر لكونها من أهم المؤسسات الدستورية في البلاد، ولأنها تمثل قطاعات شعبية كبيرة، لكنها مع ذلك لا تغطي كل الفضاء السياسي والمدني في البلاد، مما يتعين التفكير في صيغة لتمثيل بقية القوى غير الممثلة في المجلسين. رغم ذلك نقول نحن نسمع جعجة ولا نرى طحيناً. يريد المجلس الوطني بغرفتيه أن يتصدى لمسألة الحوار؟ فليكن، لكن أين هي الخطوات العملية التي أقدم عليها المجلس، أين هي المرئيات والتصورات والآليات التي ستدار بها عملية الحوار، وما الموضوعات التي سيبحثها هذا الحوار، ومن هم أطراف هذا الحوار. من حقنا، نحن في المجتمع المدني، أن نعرف أجوبة على كل هذه الأسئلة وسواها، لنختبر مدى جدية الأمر، ولكي تكون لنا كلمتنا بصدد الموضوع برمته. وعود على بدء: الكل يدعي وصلاً بالحوار، وفي حدود علمنا لا أحداً يجاهر بأنه ضده، لكن أين هو الحوار، أو للدقة والموضوعية والإنصاف: أين هي خطوات الإعداد والتحضير له. هاتوا برهانكم.
صحيفة الايام
7 مايو 2009