المنشور

غسل السلالم من الأسفل..

‘’عندما تكون المخازن مليئة بالسلع، يستطيع المستهلك الذهاب إليها متى شاء، أما عندما تكون السلع نادرة، عندها يتوجب على المستهلك الوقوف في الطابور. وعندما يكون الطابور طويلاً جداً، يصبح من الضروري إرسال شرطي للمحافظة على النظام.. من هنا انطلقت البيروقراطية السوفيتية وهي تعرف لمن تعطي ومن يجب عليه الانتظار’’. ليون تروتسكي[1].
تعالوا نسأل: ماذا لو وجدت أوساخ متراكمة على درجات السلم في منزلنا/منزلكم، كيف لنا/لكم غسلها؟ هل نبدأ من الأسفل إلى الأعلى أم العكس؟ الجواب على هذا السؤال ليس سهلاً كما نتصور، خصوصا حين ‘’نُعبِّر بالمجازات’’ عن أمراض اجتماعية، أو سياسية، أو اقتصادية’’ وفق كتاب أخينا علي الديري: ‘’كيف نعبر بالمجازات؟’’.
الطبيعي، غسل درجات السلالم من الأعلى إلى الأسفل، لا تنظيفها من الأسفل إلى الأعلى، حيث ما نُظِف سيكون عبثاً وإهداراً للجهد والعمل، هذا من الناحية الطبيعية المتعارف عليها، ولأن الأمور لا تسير بشكل طبيعي في العادة، في معظم المجتمعات، نتيجة للفوارق الاجتماعية، فإن الأمراض في مجمل حقول الحياة من الصعب معالجتها والشفاء منها تماماً كما يتطلع الساسة والمواطنون إلى حد سواء.
ما تقدم أعلاه، ليس حكراً بالمجتمع السوفيتي السابق، الذي كانت انطلاقته الأولى بطبيعة الحال، أكثر عدلاً قبل أن تنتفخ بيروقراطيته وتحرم جماهيره من منافع ومحاسن الاشتراكية التي من المفترض، بحسب النظرية الاشتراكية، أن تعم الخيرات على الغالبية العظمى لتتقرب صوب العدالة الاجتماعية المنشودة في جل المجتمعات الحية، لكنه كما يقال: ‘’في كل بيت بالوعة!’’، وعليه، لا يوجد مجتمع خالٍ من الأمراض، لكن المسألة الأخطر، تراكم هذه الأمراض حتى تستفحل وتكون عصية على الفهم والتشخيص والمعالجة في آن، وبالتالي يصبح من الضروري تجنيد شرطة وجنود جدد لـ’’حماية الأمن’’، أو لـ’’حفظ النظام العام’’، أو لـ’’مكافحة الشغب والتخريب’’، وفق المصطلحات المتعارف عليها في المجتمعات الفقيرة التي عادة ما تكون مضطربة، ومنفوخة بملفات قابلة للانفجار في أية لحظة.
في إحدى مراسلاتي الخاصة مع أحد الأصحاب السياسيين المرموقين، وذلك في العام 2005 كتب لي في جزئية من رسالته الآتي: ‘’لقد كان في النصِ إشـــارة، ألغيتُها في آخر لحظة، إلى مقالك الأخير في (الوسط)..’’.
وفي تلك الإشــارة اقتطاف سطرين منه، أي كما فعلتُ في مجموعة أوال، إن أصعب الأسئلة أبسطه، إلا أنني ألغيتُها لأسباب منها عدم الزج باسمك في معركة لم تُستشر في مســـألة الدخول فيها ولا أنت قادرٌ بالتالي على التحكم في مســارها’’.
هذا من ناحية قضية ‘’التعديلات الدستورية’’ التي كانت حامية الوطيس منذ العام 2002 إلى ما قبل انتخابات ,2006 حيث المطالبات برفع العرائض والمسيرات الضخمة، وشعارات ‘’وقع ثم وقع’’، تلاشت أو كادت، والبقية تعرفونها، وظل الحال كما هو عليه بانتظار انتخابات .2010 غير أنه ماذا بشأن الملفات الأخرى، /البيئة، السواحل، الأراضي، السكن، البطالة، التجنيس السياسي، تحسين مستوى المعيشة إلى آخره؟. كيف يمكن حلحلة هذه الملفات؟ بطبيعة الحال عبر الحوار السلمي الحضاري، ولكن مع مَنْ، وكيف، وما هي الآلية إذا كانت من داخل قبة مجلسي الشورى والنواب؟
هنا على ما يبدو، سنصطدم بإشكالية دستورية، حيث إن المادة (75) من دستور ,1973 حذفت من دستور ,2002 وتنص المادة ‘’السبعينية’’ على الآتي: ‘’يشكل المجلس ضمن لجانه لجنة خاصة لبحث العرائض والشكاوى التي يبعث بها المواطنون إلى المجلس، وتستوضح اللجنة الأمر من الجهات المختصة، وتعلم صاحب الشأن بالنتيجة.
ولا يجوز لعضو المجلس الوطني أن يتدخل في عمل أي من السلطتين القضائية والتنفيذية’’.
ووفق هذه الإشكالية الدستورية، فإن مجلس النواب المحتكم لدستور 2002 لم يشكل ‘’لجنة خاصة لبحث العرائض والشكاوى’’، فبأية آلية اللجوء إليه لحلحلة هذه الملفات التي يراد معالجتها عبر الحوار من تحت قبة البرلمان للحد من الاحتقانات؟؟.
والحل؟، ربما عبر غسل السلالم من الأعلى إلى الأسفل، وإلا سنجده بعد بحث طويل في مقولة للمفكر العراقي هادي العلوي مفادها: ‘’إن كل واحد منا يخفي والياً عثمانياً تحث ثيابه رغم كل رطاناتنا الثقافية العنيدة[2]’’.
[1] انظر: ‘’تروتسكي بين الأسطورة والحقيقة’’ـ تأليف عدد من الصحافيين السوفييت ص.43
[2] راجع: هادي العلوي، ‘’المرئي واللامرئي في الأدب والسِّياسة’’ ص.114
 
صحيفة الوقت
4 مايو 2009