نهنئ جميع عمال بلادنا بالأول من مايو عيد الطبقة العاملة في العالم كله، ونتمنى لهم المزيد من العطاء ومن الحقوق، محيين فيهم الدور الذي لعبوه ويلعبونه في صنع البحرين الحديثة بسواعدهم وأذهانهم وتفانيهم وإخلاصهم، هم الذين كانوا وسيظلون مدرسة لنا جميعاً في الصلابة وصنع الأمل. كما هو عهدي منذ سنوات أحضر – بصفتي ممثلاً لمنبرنا التقدمي – في هذا اليوم من كل سنة فعاليتين، واحدة في الصباح حيث المهرجان الخطابي التكريمي الذي يقيمه الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وواحدة في عصر اليوم نفسه حيث المسيرة الحاشدة التي تقطع شوارع العاصمة مكللة بألوان الفرح، وعلى إيقاع الموسيقى، منذ التقليد الجميل الذي أدخله المنبر التقدمي على هذه المسيرة بإشراك الآلات الموسيقية في طقس المسيرة. في حفل اتحاد العمال رأيت وزير العمل يلقي كلمة تحية، ويشارك في تكريم المتميزين من العمال والعاملات، كما استمعت إلى رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين، يخاطب الطبقة العاملة بصفة الغرفة طرفاً من أطراف العمل. وفي المسيرة التي انطلقت من أمام صندوق التقاعد باتجاه المرفأ المالي، رأيت رواد العمل النقابي والعمالي في البحرين من أمثال عباس عواجي وعبد الجليل عمران والسيد جعفر الوداعي يرقصون مبتهجين في مقدمة مسيرة المنبر التقدمي. في الحالين خطر في ذهني خاطر: لقد أفنى هؤلاء زهرات شبابهم في السجون وفي الملاحقة لأنهم كانوا يحلمون ويعملون في أن تنشأ في البلاد نقابات عمالية تدافع عن حقوق الشغيلة، وأن يكون الأول من مايو عطلة رسمية، تكريماً لأصحاب السواعد السمراء التي أخذت من شمس البحرين لونها. بوسع كل منا أن يتخيل مقدار البهجة في نفوس هؤلاء وسواهم من ذلك الرعيل، فبعض ما حلموا به قد تحقق، فها هي النقابات العمالية قد تشكلت، والأول من مايو أصبح عطلة رسمية، بعد أن كان التفوه بفكرة الاحتفال يقود إلى السجن، وكم نتمنى من قيادة الاتحاد العام لنقابات العمال أن تقدر ذلك حق قدره بأن تضع لمثل هؤلاء الرواد مكانة. لكن.. خطر في ذهني خاطر آخر يخص الدولة، ماذا لو أنها اهتدت إلى مثل هذا التفكير السديد قبل ثلاثين أو عشرين عاماً؟، فلم تجد في النقابات رجساً من الشيطان، ولا في عطلة الأول من مايو بعبعاً يخيف. ما الذي تضررت منه الدولة بعد قيام النقابات، وما الخطر الذي حل يوم أصبح الأول من مايو عطلة رسمية يحتفل بها؟ في هذا درس وعبرة، فالكثير من الآلام والتضحيات والصراعات والاحتقانات يمكن تلافيها، إذا ما ساد بُعد النظر، وإذا ما وضع كل شيء في حجمه الحقيقي بدون تهويل ومبالغة وتكبير. وحين يسود التفكير السديد سندرك ان الناس لا تريد أكثر من حقوقها الطبيعية في حياة حرة كريمة، وفي أن تكون شريكة في الثروة وفي اتخاذ القرار، ولو أن الحكمة هي التي سادت لما احتجنا لعقود كي نسمح بقيام النقابات، أو نجعل من مايو عيداً وعطلة للعمال. وعلى هذا الأمر علينا القياس، فهل نحتاج عقوداً أخرى من الآلام والاحتقانات لتلبي الدولة مطالب بديهية تطرح اليوم، لا تكلف تلبيتها اليوم إلا القليل، لنتركها تتراكم طبقة فوق طبقة فتصبح الكلفة المعنوية والاجتماعية مضاعفةً مرات؟
صحيفة الايام
4 مايو 2009