خلصنا في حلقتين سابقتين من طرح موجز ومكثف دار حول السمات العامة للبلد وخصوصيته، حيث وصلنا إلى استنتاج تركَّز في تحديد القوى أو العوامل الأربعة ( الدولة/الإسلام السياسي/التيار الديمقراطي/الأغلبية الصامتة)، المتحكمة في ثقل ميزان القوى المحلي، والتي باستطاعتها تسريع أو إعاقة استراتيجية العملية الاجتماعية لتجذير وتفعيل الإصلاح السياسي والتقدم الاجتماعي وإخراج المشروع الإصلاحي برمته من حال المراوحة والتعثر الراهنة. نحاول هنا أن نطرح وجهة نظرنا – بإيجاز- فيما يتعلق في محاولة البحث عن علاجٍ للوضع السياسي الآسن، فالمهمة الأكثر إلحاحاً ونجاعة – برأينا المتواضع – يتلخص في بديهةٍ تقول إن تدشين الديمقراطية يحتاج إلى ديمقراطيين، بمعنى أن الرهان الأساس يجب أن يركن على القوى السياسية والاجتماعية التي لها مصلحة في تجديد الإصلاح ودفعه إلى الأمام في وضعٍ صعبٍ وغير مواتٍ!
ولمعرفة أو مقارعة فهم أفضل لوضعنا الراهن وطريقة التعامل معه، من الممكن أن نطرح أسئلة من قبيل: ما هي التناقضات الأساسية والثانوية التي تمور في أحشاء المجتمع البحريني المعاصر في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المرحلة الحالية؟ ما هي مسبباتها وتداخلاتها وتقاطعاتها مع ميزان القوى الإقليمي والعربي والعالمي؟ على ماذا يدور الصراع الاجتماعي في اللحظة الزمنية الحالية؟ أين يكمن ثقل الصراع الاجتماعي وكيف يتشكل؟ من الواضح أن هناك مستويات عديدة لهذا الصراع الموضوعي الذي لا دخل فيه للعوامل الذاتية في إيجاده، عدا فهمه واستخدامه – إيجابا أو سلبا – أي تسريع وتطوير مشروع الإصلاح أو كبحه وتباطؤ تطوره. هذا ما يجب أن يفهمه السياسي الديمقراطي الفاعل والغيور؛ بُغية استثمار معلوماته بالشكل الأمثل وتحويلها إلى شعارات مطلبية آنية ومرحلية.
تراود أذهاننا أيضا أسئلة أخرى مثل: هل ممكن الاعتماد على قوى غير ديمقراطية من أجل تأسيس مجتمع ديمقراطي مؤسساتي؟ إلى أية درجة نجد أن الدولة جادة بالفعل لإيجاد حلول جذرية للمشاكل الاجتماعية والحياتية التي تقصم ظهر المواطن وتكبل طاقاته الكامنة؟ وهل لديها بالفعل الحل السحري السريع؟ وأين مصلحتها في ذلك؟ ما هي ‘الدولة’ بالضبط وما هي مكوناتها؟ منذ متى في التاريخ كان هناك نظام أو دولة تعطي شعبها حقوقه على طبق من ذهب بلا ضغط مجتمعي شامل غير فئوي؟ دروس التاريخ تعلمنا أن الإصلاحات وتراجعات الأنظمة أو الدول عن مصالحها – مصالح فئاتها الأكثر أنانية وجشعاً – حدثت وتحدث عندما تكون مجبرة من مغبة ضغط مجتمعي وقانوني متواصل ومطلب شعبي عام!
الإشكالية الكبرى أن المعادلة المتحكمة في ميزان القوى المحلي معكوسة، بمعنى أن القوى التي باستطاعتها تحريك المياه الراكدة (بعض أطراف مراكز النفوذ في الدولة وجُل قوى الإسلام السياسي) ليست لها مصلحة في ذلك، والقوى ذات المصلحة (التيار الديمقراطي/العصري وعامة الناس) ضعيفة، مبعثرة وبصيرتها السياسية كليلة. لم تصبح إحدى جهاتها الأساس رهينة لقوى غير ديمقراطية فحسب، بل صارت (الجهة تلك) تراهن على المنهاج الحاد لقوى ‘الإسلام السياسي’، المعوق أصلاً لتجديد الإصلاح والمعادي لكل مظاهر العصرنة والتقدم والتنوير!
لعل أصعب المهمات وأنجعها للخروج من الدوامة الراهنة هي العمل المشترك فيما بين القوى العصرية والديمقراطية ومحاولة تأسيس ‘الخط الثالث’ أو التيار الديمقراطي كمظلة تعمل من خلالها كل القوى الديمقراطية المستقلة تلك. إن مرساة النجاة الأسلم والتفكير الصحيح هو أن تصحوَ القوى الديمقراطية العصرية من سباتها وأوهامها وتتخلص من كسلها الفكري؛ للعمل أولا بقواها الذاتية، بالرغم من المعوقات الكثيرة (الموضوعية والذاتية) التي لا نقلل من صعوباتها. فكلما توفق التيار الديمقراطي في التخلص من أوهامه العديدة أسرع استطاع المشاركة المأمولة في الحراك الاجتماعي والسياسي بشكل أفضل والمساهمة في التأثير على الوضع تدريجياً ومستقبلاً؛ للتوجه إلى القوة الكامنة لدى ‘الأغلبية الصامتة’ لجرها للحراك المجتمعي.
بصريح العبارة يجب الإسراع في ‘مبادرةٍ’ حول دعوة جماعية للجلوس على طاولة مستديرة (قبل أي حوار موهوم مع اللاعبين الأقوياء الآخرين) من قِبَل كل القوى الديمقراطية والعصرية من دون إبعاد أو ‘فيتو’ على أية قوة أو جهة ديمقراطية مهما بدت هامشية. من الممكن، بل من الضروري أن يتكون ‘لُب’ الحاضرين من الجمعيات السياسية الديمقراطية الآتية: التقدمي/ وعد/ التجمع/ الوسط، بجانب جمعيات ليبرالية مثل المنتدى وشاكلاتها، بالإضافة إلى الجمعيات النسائية والحقوقية والاتحادات النقابية والمهنية والشخصيات الديمقراطية المستقلة من علمانيين وحتى دينيين متنورين، النتيجة أن تأسيس ‘الخط الثالث’ أو التيار الديمقراطي هو مهمة المهمات الآنية في البحرين، وبعد ذلك لكل حادث حديث!
صحيفة الوقت
2 مايو 2009