عقد في المنامة عاصمة مملكة البحرين، وبتاريخ 15 – 16 ابريل مؤتمر حول «الهوية في الخليج العربي.. التنوع ووحدة الانتماء» مؤتمر يبدو لي مكررا في محتوياته في هذا الجانب أو ذاك، وهذا ما نراه في حشد البيان الختامي لجمل دارت حول نفسها كثيرا حتى كادت تبدو ملتبسة بجمل رنانة، ووصايا يبدو أنها خجلت بعض الشيء من التطرق لما هو أعمق لجذور تلك الصراعات والهويات المتنوعة في الوطن الواحد، والإقليم الواسع المحرض، وبيان غلبت على روحه النزعة التصالحية مع المرجعية الدينية المنتقاة، التي ترى في القومية خصمها، ونزعة قومية ترى في الدين توافقا ممكنا لتوجهات أنظمتها وشعوبها. وأخيرا هل وجد احد يطرق الأجراس الصدئة المثقلة بأوزانها حول مؤتمر يذكرنا بالهوية وتناقضاتها العميقة في الخليج العربي… وبتناقض التنوع ووحدة الانتماء والى أين يتجه القارب التائه؟ هل إلى مرافئ خليجية عربية أم يخرج من عنق هرمز ليدخل محيطا هنديا شاسعا بعد أن تمخره وتنخره أمواج محاذية للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟! ’’ أجراس لم يدقها أحد بتلك النبرة الجديدة ’ الخائفة من الانفجار المحتمل والمهدد للوحدة الوطنية ولاستقرار بلدان مجلس التعاون؟ بعد أن مكثت ردحا طويلا منسية! للإنصاف لا بد وان نمنح أقلاما كثيرة التقدير لكونها كتبت عن هذا الموضوع في مقاربات عدة ’ وعن هذا الجرس منذ وقت بعيد ناهز العقود الثلاثة وقد أعيدت الكتابة فيه مجموعات كثيرة من الصحافيين والباحثين العرب والخليجيين وفي مقدمتهم الدكتور الفرجاني ’ الذي حذر منذ السبعينات عن أخطار العمالة الأجنبية على الهوية السكانية وتركيبتها ’. من يودون الاستعانة بكل هذه الكتابات الاستشرافية في هذا المجال عليهم بالعودة لمثل هذه المواضيع المخزنة في ذاكرة المكتبات كمرجعيات منسية، وعندما نشعر ونستشعر محنتنا الثقافية والحياتية نعود إلى عالم النكتة والاستخفاف على الغرباء وأصحاب البقالات والمهن الدونية منهم ’ ونستنجد بوسائلها الرثائية’ وبدلا من تفهم الجانبين مدى مؤثرات تدمير تركيب الهوية، وبدلا من الوعي بهذا الخليط (الهجين) الإنساني وعلاقته بجذور الهوية والحفاظ عليها من جانب ’ ومن الجانب الآخر وضع كل الأسس الإنسانية والثقافية في مواقعها الصحيحة في زمن يحيطنا بقوة وحقائق الأمور ’ ومن ضمنها كوننا بتنا في البيت العالمي المعولم كعضو واحد منه ولا يمكننا الهروب من قوانينه وتشريعاته ’ بل ولا يمكننا الهروب من حقائق قوة السوق كقانون يفرض نفسه علينا ’ خاصة في مسألة التنمية باعتمادنا على قوة وأهمية العمالة الأجنبية فيها ’ وهل توجد عمالة بلا ثقافة وهوية ولغة؟. لتلك الأسئلة حقائق تحتاج إرادة التنفيذ وقوتها ونقد الذات متى ما جلسنا بروح جادة نناقش معضلتنا ومستعدين لحلها بتخطيط جاد لا يجعل منا مكونات دول وشعوب مرتعبة من ذوبان الهوية كقطعة السكر، أو كأنها قيمة إنسانية منتهكة شرفها من تلك النقائض الثقافية وتضاداتها. لم نسأل أنفسنا برغم هذا التداخل الثقافي الجاد وتلك الجيوش الزاحفة من جوارنا وضفافنا، هل فعلا عرفنا كيف نحمي هويتنا العربية والإسلامية الفاعلة والمفعول بها؟ مع إننا لم نتعلم كيف نبني جسورا ثقافية مع تلك البلدان ’ وهذا ما فعلته قبلنا بقرون الثقافة العربية والإسلامية حينما كانت في عز ازدهارها ’ فكل ما فعلته اليوم الطفرة النفطية ونعمتها هو الكسل الثقافي والفكري والمعرفي والاسترخاء المعيشي ورفاهيته واستغلال رخص العمالة، والفساد المالي ’ على أساس أن الهوية قضية شعب وأمة قبل أن تكون قضية سلطة وثروة ’ وخمول الرجال والنساء في البيوت نتيجة ثروة طارئة ’. إننا بحاجة لربط كل المسائل معا ’ دون أن ننسى جانبا من الحقيقة إن الهوية معرضة للتدمير الكلي لكونها ظلت مكشوفة الظهر واستعلائية على الغريب ’ وفي الوقت ذاته عدائية وغير عادلة مع شعبها. أدواتنا وقراراتنا ومصيرنا بيدنا عندما نعرف كيف نلج الأبواب ونغلقها ونفتحها على الثقافات والعمالة الوافدة. لست هنا بصدد الحديث عن برنامج وتوصيات بلغت 14 توصية في مؤتمر إعلان المنامة ’ والتي علينا بعد مدة أن نجلس ولو لساعات ونسأل أين صارت تلك الوصايا الأربعة عشر، أتمنى أن تكون وصايا إعلان المنامة فاعلة كانطلاقة المؤتمر الأول ’ لكي نقرأ بجدية في المؤتمر الثاني القادم حقيقة الذات قبل قراءة الوصايا ’.
صحيفة الايام
28 ابريل 2009