الاخ الصديق الناشط السياسي والنقابي، نقيب نقابة المصرفيين، خليل زينل من اكثر المثقفين البحرينيين الذين تربطهم علاقة حميمة مع شخصيات ورموز عديدة من النخبتين السياسية والثقافية في العراق الشقيق، وهو متابع جيد لنشاطات القوى الوطنية العراقية واصداراتها الثقافية والسياسية والفكرية.. وانطلاقاً من هذا الحب الكبير الذي يكنه للشعب العراقي، فإن الصديق زينل يتبنى منذ سنوات فكرة مشروع لانشاء جمعية للصداقة البحرينية مع العراق، وهو مازال رغم مضي سنوات على فكرته متحمساً لهذا المشروع، ولاسيما بالنظر لتعاظم النوائب السياسية والأمنية التي ينكب بها الشعب العراقي الشقيق في الظروف الراهنة الغنية عن الاشارة منذ الاجتياح الامريكي لبلاد الرافدين قبل اكثر من خمس سنوات.
ورغم ما ابديته له من تفهم لفكرة المشروع ودوافعه النبيلة من وراء ذلك، لربما لاحظ عليّ الصديق ابوهاشم ضمنيا عدم تحمسي الكافي للفكرة ويعود السبب باختصار شديد لعدم حماستي الكافية للمشروع والذي وددت طرحه هنا على بساط البحث تعميماً للحوار المفيد واثراء للموضوع ولاسيما انه يخص النخبتين السياسية والثقافية كافة في بلادنا، هو ان ما يربطنا بالشعب العراقي الشقيق ليس مجرد صداقة، بل اكبر من ذلك، انها رابطة قربى بكل معنى الكلمة، انها رابطة الدم الواحد والعرق الواحد، واللغة الواحدة، والتاريخ المشترك الواحد، والتراث المشترك، والثقافة الشعبية والدينية الواحدة، والجوار الجغرافي، والتشابه اللهجوي.. ولك ان تعدد ما تشاء من اشكال عديدة لا تحصى من تلك الروابط المتينة التي لا تنفصم عراها تحت أي ظرف وأي زمان، والتي توثقت وتوطدت بشدة عبر قرون مديدة من تاريخنا المشترك.
بكل تلك المعاني المتقدم ذكرها فإن ما يجمعنا بالعراقيين اكبر وأقوى من “صداقة” لا يمكن مقارنتها بصداقتنا مع شعوب اجنبية عديدة والتي يمكن فهم ان تكون لنا جمعية صداقة مع أي منها لتعبر عن هذه الصداقة وتسعى الى توطيدها، كالصداقة مع الشعب الهندي مثلاً أو الشعب الصيني او الشعب الروسي.. إلخ.
بيد ان انتفاء الحاجة الى اقامة جمعية صداقة من هذا النوع مع الشعب العراقي لتعبر عما يربطنا بشعبنا العراقي الشقيق من وشائج وتسعى إلى تطويرها وتوطيدها لا يعني انتفاء الحاجة البتة إلى تطوير وتعميق هذه العلاقة القرابية العريقة الحميمة على أصعدة مختلفة ومجالات ومستويات متعددة كالاصعدة البرلمانية والحزبية والنقابية والطلابية، والمجالات الثقافية والادبية والاجتماعية والدينية الاخرى. فعلى كل هذه الاصعدة وفي كل تلك المجالات يمكننا تطوير اشكال العلاقات الثنائية الشعبية المشتركة بين البلدين الشقيقين، ناهيك عن تطويرها على الصعيد الرسمي، فيكفي تفعيل وتعميق علاقتنا بالشعب العراقي العظيم الشقيق من خلال التنسيق والتعاون على مختلف مستويات تلك الاطر والتنظيمات السياسية والنقابية والثقافية والمدنية حتى دونما الحاجة بالضرورة الى وجود “جمعية صداقة”.
ولا شك ان الجانب البحريني يتحمل مسؤولية رئيسية استثنائية خاصة للقيام بهذا التفعيل الآن بالنظر لما يمر به العراق الشقيق من ظروف مأساوية راهنة لم يتعاف منها في ظل الاحتلال.
واذا جاز لي شخصيا ان اقترح بديلاً آخر عن “جمعية الصداقة” المقترحة، فلعل من الافضل تشكيل اطر أو منظمات اخرى تعبر عن أي شكل من اشكال تلك العلاقة التي تربطنا بالعراق، وتكون في ذات الوقت رمزاً وعربون محبة وعرفان ووفاء لما للعراق علينا من أفضال قبل ان يمر بمحنته الحالية، وأرى ان تشكيل جمعية رابطة لخريجي العراق هي أفضل ما يعبر عن هذا الوفاء، وبامكانها ان تسهم، علاوة على تفعيل روابط العلاقات الانسانية والاجتماعية بين خريجي هذه النخبة العلمية البحرينيين فإنها تستطيع ايضا تفعيل ما يمكن تفعيله على أي مستوى علمي او طلابي أو انساني مع الشعب العراقي الشقيق.
ويمكن تعميم الفكرة نفسها لانشاء روابط مماثلة من خريجي الجامعات العربية والاجنبية الاخرى التي قدمت معونات جامعية وعلمية كبيرة جليلة لا تقدر بثمن لسنوات طويلة حيث تخرج فيها الآلاف من طلبتنا البحرينيين على امتداد سنوات طويلة ولاسيما من الطبقات الفقيرة والوسطى وذلك قبل نشوء التعليم العالي في بلادنا. ومن هذه الجامعات نذكر على وجه الخصوص بالاضافة الى العراق: الجامعات المصرية، والجامعات السورية، والجامعات اللبنانية (الامريكية على وجه الخصوص)، وجامعة الكويت، والجامعات السعودية، والجامعات الروسية، وجامعات بلدان اوروبا الشرقية، والجامعات الهندية.. وغيرها من الجامعات الاخرى التي خرجت أفواجا كبيرة متعاقبة من البحرينيين طوال عقود والتي لولاها لصعب تخيل حالنا المزري الآن من الافتقار إلى الموارد البشرية المتميزة والادمغة العلمية التي قامت على سواعدها نهضتنا الثقافية والعلمية والحضارية المعاصرة.
ويمكن انشاء روابط الخريجين المقترحة إما بشكل مستقل، وإما كلجان فاعلة في اطار نادي الخريجين.
صحيفة اخبار الخليج
27 ابريل 2009