حكم البراءة الذي شرفتني به محكمة الجنايات يوم أمس من التهمة الكيدية الموجّهة لي بتوجيه النقد إلى شخص أمير البلاد، جاء ليقدّم دليلاً آخر على نزاهة القضاء الكويتي وعدله واستقلاليته، الذي يمثّل بحقّ أحد أعمدة نظامنا الدستوري الديمقراطي.
وهنا لابد من أن أسجل مجدداً ما سبق أن أعلنته في أقوالي أمام النيابة العامة أثناء التحقيق معي من تأكيد الولاء لصاحب السمو الأمير وتقديري لشخص سموه الكريم، الذي حاول البعض التشكيك فيه عبر تحريك دعوى باطلة لا أساس لها… وأتوجه بعد هذا بالشكر إلى هيئة الدفاع الممثلة في الأصدقاء الأساتذة المحامين محمد عبدالقادر الجاسم، وعبدالكريم جاسم بن حيدر، ويعقوب الصانع، على ما بذلوه من جهد في سبيل إظهار الحقّ وتبرئة ساحتي من تهمة ظالمة، وأشكر في الوقت ذاته كل مَنْ تضامن معي وفي المقدمة الزملاء في «عالم اليوم» وأخص بالشكر الزميلين الصديقين رئيس التحرير الأستاذ عبدالحميد الدعاس، والمدير العام الأستاذ أحمد الجبر الشمري، وكل مَنْ حضر المحاكمة، أو اتصل متضامناً، أو بارك مهنئاً بالبراءة.
ولئن كانت الكويت اليوم تعيش أجواء معركة انتخابية، فإنّه من المناسب القول إنّ الديمقراطية ليست مجرد انتخابات نيابية، كما أنّ النظام الديمقراطي لا يتمثّل في وجود مجلس أمة منتخب فحسب، وإنما الديمقراطية والنظام الديمقراطي هما قبل هذا كله يتحققان في مبادئ الحرية والمساواة وسيادة القانون واستقلال القضاء، التي ننعم في الكويت بالحدود الأساسية منها… فالديمقراطية هي حرية الرأي؛ وحرية النشر؛ وحرية التعبير، التي كفلها الدستور وجاء القضاء في حكمه العادل الأخير لينتصر لها ويعززها.
وما الانتخابات النيابية ومجلس الأمة سوى مظهرين من مظاهر النظام الديمقراطي وأشكال ممارسته، ولكن لا يكفي أن تكون هناك انتخابات ويكون هناك مجلس نيابي ليقال إنّ هناك ديمقراطية ونظاماً ديمقراطياً، فكم من بلد، خصوصاً من بلداننا العربية، تُجرى فيه انتخابات دورية ويتشكّل فيه مجلس نيابي ولكن تغيب وتقيّد فيه أبسط الحريات العامة، وتنعدم به سيادة القانون، ويخضع القضاء فيه إلى سلطان النظام الحاكم وسطوة الحكام، وما الانتخابات والمجلس النيابي إلا ديكوران خارجيات لتحسين الصورة البشعة لنظام الحكم المستبد في ذلك البلد.
وهذا ما تختلف عنه حال الكويت، ذلك إنّ سبعة وأربعين عاماً على قيام العهد الدستوري رسخّت الديمقراطية وعززت النظام الديمقراطي، وهذا ما يحقّ لنا ككويتيين أن نفخر به، وإن كانت ديمقراطيتنا ونظامنا الديمقراطي يعانيان من ممارسات مشوّهة، وإن كانا أيضاً لم يستكملا بعد تطورهما المتسق في ظل فرض قيود غير مبررة على الحريات الشخصية، وغياب التعددية الحزبية المنظمة قانوناً، وانعدام وجود آلية واضحة لتداول ديمقراطي للسلطة التنفيذية، إلا أنّه مع ذلك كله فإنّ ما تحقق فعلاً من هامش نسبي من الحريات الديمقراطية، خصوصاً في الجانب السياسي، وما يتوافر للمواطن الكويتي من حقوق المواطنة الدستورية، وما تشكّل على أرض الواقع من بُنى ديمقراطية ووضع مؤسسي، تمثّل في مجموعها خطوات ومكاسب ملموسة وأسساً وطيدة لوجود نظام ديمقراطي راسخ وقابل للحياة والتطور… وليس مجرد مظاهر شكلية فارغة المحتوى!
وهذا ما يميّز الكويت.
جريدة عالم اليوم 6 ابريل 2009