المنشور

حول الخصوصية الراهنة في البحرين

استكمالا لما طرحناه في الأسبوع الماضي حول سمة الوضع البحريني الراهن، انطلاقاً من خصوصية تركيبة البلد، صغر حجمهِ ( في حدود 700 كيلومتر مربع)، كثافة اكتظاظهِ السكاني واختلالهِ ( أقل من نصف مليون مواطن وأكثر قليلا منهم من المقيمين الأجانب)، محدودية موارده ( لا توجد حتى الآن خطة استراتيجية لتعدد الموارد والاستفادة مثلا من الثروة السياحية الكامنة)، تعدد إثنيته ( غالبية من العرب تعيش بوفاق وانسجام مع أقلية من الفرس/العجم وأقوام أخرى مجنّسة من الهنود والباكستانيين والبلوش والعرب اليمنيين والشاميين)، ريادته في التعليم النظامي والخدماتي والإداري وانتشار الفكر التنويري العصري بين ربوعه قبل غيره من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، طموح شعبه للحرية والديمقراطية والتعددية ودولة المؤسسات.. هذا عدا موقعه ‘’الميني- الجيوبوليتيكي’’ في قلب الخط الفاصل ما بين شبه الجزيرة العربية ودول إقليمية قوية كإيران والعراق وشبه القارة الهندية. إضافة إلى تاريخه القديم والملتبس المتأتي من خضوعه لآماد طويلة لسيطرة أمم قديمة وحضارات عريقة كالفرس والإغريق وبلاد ما بين النهرين (السومريون) في العصور القديمة (ديلمون اسم البحرين حينئذ). ووقوعه بعد ذلك تحت السيطرة البرتغالية والأجنبية المتعددة في العصور الوسيطة، استمرت حتى العصور الحديثة، حينما وقعت جزر البحرين تحت الحماية أو السيطرة البريطانية، التي انتهت بالاستقلال في مستهل سبعينات القرن الماضي، دخل فيه البحرين في تجربة مؤسساتية وبرلمانية قصيرة ومبتورة (أقل من سنتين) انتهت بحل المجلس الوطني في منتصف السبعينات ذاتها. حين انجرّ فيه النظام إلى سلك نهج أمني استمر لثلاثة عقود، لم يستطع خلالها من حل جذري لأي مشكلة من المشاكل الاجتماعية المزمنة، حتى اقتنع النظام السياسي البحريني أو أُقنِع، إثر تربع جلالة الملك الحكم – المتزامن بدخول البلد الألفية الثالثة – بضرورة التحول الإصلاحي والمؤسساتي؛ المرحلة المشهودة، التي نعيش الآن تداعياتها حتى اللحظة .
لعل أكبر الصعوبات – ضمن صعوبات كثيرة- التي يعاني منها البحرين هو الإشكال الموضوعي المتأتي من التركيبة الديموغرافية غير المتوازنة وانشطار مواطنيه إلى مذهبين / طائفتين إسلاميتين كريمتين( الغالبية الشيعية والأقلية السنية ). وجوهر المشكل لا يتلخص في هذه التركيبة في حد ذاتها بل يتركز بطريقة معالجتها وذلك بعد استفحال المشكلة إلى درجة لا تطاق، يزداد فيه يوما بعد يوم الوباء الطائفي البغيض! يرى جُلّ المواطنين أن المعالجة أو العلاج الذي ارتأته الحكومة للخروج من المشكلة أي الاستمرارية في سياسة ‘’خطة تجنيس مبرمج’’ للعرب السنة، بُغية الوصول إلى توازن مجتمعي من الناحية المذهبية / الطائفية لا تؤدي في الواقع إلى حل استراتيجي مستقبلي، بل يزيد الأمر سوءًا ويتسبب في مشاكل مضاعفة للأجيال القادمة. لأن جوهر المشكل ليس هو عدد الأغلبية أو الأقلية المذهبية / الطائفية (حتى القومية والإثنية إن وجدت) في أي مجتمع من المجتمعات البشرية بل هي المشاكل الاجتماعية من فقر وحاجة وفروق اجتماعية وطبقية حادة بين قلة متخمة وكثرة محتاجة، مضيفة إليها دونية الوعي الاجتماعي والسياسي السائد من فكر وثقافة تقليدية متزمتة ورجعية، محشورة في أذهان المواطن المعاصر في البحرين ومتحكمة في وعيه، حيث يوجد غبار كثيف يلف الوضع السياسي ويشوه الرؤية الاجتماعية والسياسية بسبب أن النسيج المجتمعي مخترق بخناجر مسمومة بثقافة وفكر ماضوي عماده الثالوث الأعمى؛ ‘’الطائفي/ المذهبي /القبلي’’، تروج له – مباشرة أو غير مباشرة- أبواق رسمية وشعبية، ليلاً ونهاراً ! لذلك فإن التطور الديمقراطي والإصلاح في البحرين عسير ومليء بالألغام وهي ليست شاذة عن بقية الدول العربية؛ وليدة ونتيجة المنظومة العربية السياسية الرسمية، التي هي بدورها امتداد لعقود طويلة من الاستبداد الشرقي المعروف. ولا شك أن مجتمعنا البحريني غير مفصول عن الوضع الدولي برمته، المؤثر والمتأثر بمجموعة من العوامل الإقليمية المذكورة هنا. غير أن المثلث الهرمي للثروة والجاه الذي يجري حوله الصراع الاجتماعي الحقيقي لابد من تفتيته للوصول إلى تحليل أدق للأمور بعيداً عن الفوضى السائدة والتفلسف الزائف من أطروحات لا تسمن ولا تغني من جوع !
حينما نرصد اللاعبين الفعالين في الساحة السياسية، من الممكن تحديدهم إلى جهات ثلاث، مرتبين حسب الأولوية والقوة : الحكم / الدولة / القوى الإسلامية / التيار الديمقراطي .. على أن هناك طرفا رابعا غير مفعّل بعد، أشبه بالجمهور الواقف خلف خط الملعب ليشاهد المشهد من دون أن يشارك في اللعبة السياسية، من الممكن أن نسميه ؛ ‘’الأغلبية الصامتة’’ من جّل المواطنين، الذين وضعوا أنفسهم أو وُضِعوا خارج السياق مبعدين عن الحراك السياسي المتوافر! من هنا فإن القوى أو العوامل الأربعة هذه يعتمد عليها- إيجابا أو سلبا- سير تطور المجتمع وعاقبة التجربة الإصلاحية، التي لازالت سارية في البحرين. والنتيجة هنا أنه يمكننا استنتاج العوامل الكابحة لتفعيل أو تجديد المأمول للعملية الإصلاحية، التي تتجسد في تذليل الصعوبات والمعيقات الأربعة هذه! هذا ما سنتابعه في أقرب فرصة.
 
صحيفة الوقت
25 ابريل 2009