خلصنا أمس إلى انه على الدولة أن تتصرف بأنها للمجتمع كله، بكافة مكوناته من طوائف وفئات وشرائح اجتماعية وتيارات سياسية، وأن للجميع حق في الدولة وللجميع حق عليها.
وخلصنا أيضاً انه على قوى المعارضة في المجتمع أن لا تتصرف على أساس أنها ممثلة لطائفة أو مذهب، لأنها بذلك تختزل البعد الوطني لأية مطالب تطرحها على أنها مجرد مظالم للطائفة.
هذا هو ما نطمح إليه، لكن الواقع ليس كذلك للأسف.
وهذا ما يجعلنا نرى في التفاهمات التي تنشأ في نتيجة أشكال من الحوار بين الدولة وبين ممثلي الطوائف، تكريساً للقسمة الطائفية، واختزالاً للعلاقة بين الدولة ومجتمعها في إطار ضيق ومحدود، يُغيب البعد الوطني الشامل في هذه العلاقة، ويحولها إلى علاقات مجزأة، فلا يعود المجتمع، ممثلاً في من يمثله من قوى وأفراد وشخصيات، يتصرف مُجتمعاً، حتى مع وجود التباينات في الرؤى والمواقف، وربما تعدد المصالح، وإنما تنشط كل فئة وكل طائفة منفردة على ما يشبه الأجندة الخاصة بها.
نحن مع الإقرار بالتعدد القائم في المجتمع، ومع الاعتراف بهوياته الفرعية، لكننا لا نرى أن إشكالات المجتمع الكبرى ستحل عبر تفاهمات جانبية، وإنما عبر آلية للحوار الوطني الشامل العلني، الذي يتصارح فيه الجميع بهمومهم وهواجسهم، بما في ذلك هواجسهم تجاه بعضهم البعض، وتتصارح فيه الدولة مع مجتمعها حول ما ينتابها من هواجس تجاه أي مسألة، ويتصارح المجتمع مع الدولة هول هواجسه مع بعض أوجه أدائها.
وقلنا في مبادرتنا للحوار الوطني، أن الحوار يجب أن ينطلق، كما يجب أن يخلص، إلى احترام النظام السياسي في البلاد كما جرى الاتفاق عليه عند التصويت على ميثاق العمل الوطني، وكما تنص عليه المادة الأولى من الدستور، ومن ضرورة احترام هيبة الدولة ورموزها، لأننا نريد للدولة أن تكون قوية ومهابة الجانب ففي ذلك ضرورة من ضرورات التطور السياسي المستقر في البلاد، ولا نرى في المقابل أن قوة المجتمع المدني، كما نفهمه من حيث هو مجتمع مدني حديث وعصري، تشكل خطراً على الدولة وأمنها، وإنما بالعكس نطالب بالشراكة الناضجة بين الطرفين، وفق الأجندات الوطنية.
وسبق أن نبهنا إلى ما نراه ضرورياً في التفريق بين المجتمع المدني الحديث وبين المجتمع الأهلي الذي يمكن أن يندرج تحته كل ما هو خارج الدولة، وبعض هذه المكونات تعمل بآليات سابقة للدولة، كجهاز حديث، وتعمل على تعطيل سعي الدولة، أي دولة، لتكون ممثلة للمجتمع كاملاً، ومن تعبيرات هذا الأمر ما نحن شهود عليه، في حالتنا البحرينية، من سجال حول قانون الأحوال الشخصية: أيكون للمجتمع كله، أم لطائفة دون أخرى.
المشكلة في البلد ليست محصورة في حالات من الاحتقان الأمني تنشأ بين حين وآخر، مع أننا لا نستخف بهذا الجانب ونقدر خطورته، وقلنا مراراً، كما قلنا في مبادرتنا للحوار الوطني، أن المطلوب هو تكريس أساليب العمل السلمي الديمقراطي المتحضر في أية مطالبات.
نحن نطالب بحصر القضايا، ذات الطابع السياسي في المقام الأول، التي تشكل موضوعاً للخلاف، وندفع في اتجاه الحوار لبلوغ تفاهمات حولها، باشتراك كل المعنيين بقضايا الوطن، داخل المجلس الوطني وخارجه.