كم يبدو الأمر مستغربا حين يتم الحديث خلال إحدى جلسات مجلس النواب الأخيرة عن تراجع مستويات الإنتاجية وتحسين مستوى الخدمات الحكومية لدينا هنا في البحرين، والتي تربط بشكل تلقائي عادة بعوامل أساسية مسببة لها كقضايا المحسوبية والواسطة وانعدام الأهلية وبدرجة اكبر بممارسات التمييز المتفشية في العديد من مؤسسات القطاعين العام والخاص، والأغرب منه عندما يقوم البعض ممن يفترض أن يكونوا نوابا للشعب، والذين يبدو أن على من أوصلوهم إلى مواقعهم الحالية إعادة النظر في أهليتهم، يقومون بممارسة دورهم في خلط الأوراق والتلاعب بالألفاظ والقيم التي تربينا عليها نحن البحرينيون، منذ أن تفتحت عيوننا على وطن اسمه البحرين هو بطعم الشهد بل أحلى.
فالقضية التي نحن بصدد الحديث عنها كثيرا ما تثار، وهي أمر واقع ومعاش لا سبيل لعاقل أن ينكره، لتظل كأهم عقبات تعزيز قيم المواطنة وعوامل الثقة الغائبة في مجتمعنا، ولذلك فإننا لا نفهم حقيقة أن ينبري البعض من هؤلاء وباستمرار ليرفضوا كل شيء ويزايدوا باستمرار حول ملفات بعينها لا سبيل لإهمالها، بالنظر إلى ما تفعله فينا مفاعيلها كل يوم تمزيقا وفرقة، دون أن يتم الاستماع بضمير وحكمة إلى ما يقال حولها، حتى بات التساؤل يتلخص فيما إذا كان أمثال هؤلاء يعون حقيقة ما يفعلون فعلا، وإذا كانوا كذلك، فلماذا لا يقال لهم كفانا فرقة وتمزيقا؟ أو أن يقال لهم اصمتوا أو قولوا خيرا؟! فليس معقولا أن يتركوا هكذا ليعيثوا خرابا في مجتمعنا والكل يتفرج من حولهم، فيما يتوارى البعض صامتا.
وهنا أتساءل أليست هي مسئولية الجميع ممن يعنيهم أمر هذا البلد من رسميين ومؤسسات مجتمع مدني وجماهير، لنرى بعضهم سادرين في حومة الدفاع عن من ينكرون علينا مجرد أن نتآخى ونحب بعضنا دون نكد ودون تشنجات ودون طائفية؟! وبعيدا عن ما يحاول أمثال هؤلاء النواب وتابعيهم جرنا إليه عنوة، وهم الذين يتبجحون على رؤوس الأشهاد بطائفيتهم وتفرد لهم بعض صحفنا مساحات يومية ليوغلوا فينا تدميرا دون توقف، وكل ذلك تحت ذرائع حرية الرأي والتعبير، ونحن نعرف أن تلك الصحف تبقى مشغولة بهم الإثارة والانتشار وبممارسة البعض منها لأدوار مرسومة سلفا، دون أدنى اعتبار لانعكاسات ما يكتب فيها وما يسّود بياضها كل صباح، ليُدق في جسد هذا الوطن إسفينا لا يهدأ، خدمة لنزق وغواية من يركبون الموجة بغية الوصول لغاياتهم المريضة، وهم الذين اعتادوا أن يعيشوا باستمرار على فتات الموائد التي حرموا منها طويلا.
فقضية المحسوبية وممارسات التمييز بقدر ما يعتريها من حساسية عند مقاربتها، وبقدر ما يرتبط بها من مناكفات ، تظل قضية من الصعب بل ومن الخطأ إهمالها، فلا أعتقد أن غيورا واحدا أو صاحب ضمير يقبل أن تداس كرامة مواطن أو مواطنة أو شاب حديث التخريج يتم حرمانه من وظيفة أو ترقية أو زيادة أو من خدمة إسكانية أو بعثة دراسية يستحقها، فهو لمجرد كونه مواطنا فمن حقه على الدولة أن ينصف.
نحن بهذا الطرح لا نناشد العواطف التي تكلس بعضها على مذبح الطائفية والطائفيين، بقدر ما نناشد العدالة وصحوة الضمائر، فكل أبناء البحرين وبناتها هم أبناءنا وأخواتنا وأهلنا وأسرنا، فلماذا يستكثر علينا مسئولا رسميا رفيعا منذ أكثر من ست سنوات مثلا مجرد طرح تساؤل داخل مجلس النواب حول تفعيل مبدأ دستوري يتعلق بتكافؤ الفرص، ليتهمنا منفعلا حينها بشق الصف الوطني والطائفية وهو يعلم حقيقة ثوابتنا الوطنية! نذّكر بذلك الآن لكي نقول بوضوح أن ما يحدث من تراشق طائفي في برلماننا الحالي هو وليد ممارسات خاطئة كتلك التي جرى التساهل الرسمي مع إشاعتها وتنفيذها والسكوت عنها طويلا حتى أضحت كالجبل، وأصبحت مادة ترويج انتخابي لدى بعض الطائفيين ممن يعشقون تلك الحروب الخاوية من كل شيء إلا من تعدّيهم على قيمنا وأخلاقيات شعبنا، فتراهم منفعلين، متمترسين على الدوام تجاه كل من تسول له نفسه طرح تلك القضايا المؤجلة والمسكوت عنها.
وأنني لأستغرب حين طرح قضية تكافؤ الفرص هذه، أن يقترح علينا بعض نواب الشعب بضرورة استشارة بيوت خبرة عالمية متخصصة في هذا المجال، لتقدم لنا حلولا ومقترحات بشأنها! في تمييع واضح لقضية باتت مؤرقة لنا جميعاً. المسألة يا سادة لا تحتاج إلى كل تلك الفذلكات والمراوغة المكشوفة والعاجزة، المسألة تحتاج فقط إلى إرادة وقرارا سياسي يفرض احترامه على الجميع، بحيث لا يترك لعُقد ومناكفات وأحقاد وضمائر البعض المريضة، بل أقولها صراحة أنه يجب أن لا يترك لمعالجات المجالس الطائفية أصلا، بل لشجاعة القرار وأمانة تطبيقه، حفاظا على البحرين التي نحب وشعبها الذي من واجبنا الدفاع عن مصالحه.