يمنحنا تأكيد سمو ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية مؤخراً في شأن الفساد وضرورة تطوير التشريعات التي تضمن مكافحة الفساد والرشى بكافة أنواعها وتجريم من يتلاعب بأموال المساهمين، ودعوة سموه بإضافة فصل جديد في مواد قانون العقوبات يختص بالرشوة والاختلاس في القطاع الأهلي، فرصة لنبيّن بأننا في الوقت الذي نقدر ونحتفي بذلك التأكيد، ونؤيد تلك الدعوة، ونبدي أملاً متجدداً بأن تتلاقى جهود المخلصين والغيورين على مصلحة البلاد من أجل بلوغ خطوات وإجراءات فعلية وملموسة على صعيد محاربة الفساد وتفعيل قيمة المساءلة التي لم تنل حظها من الحضور اللازم والمطلوب سواء في المجال الاقتصادي أو في غيره من ميادين العمل العام، فإننا في الوقت ذاته نؤكد حاجتنا الملحة الى استقبال المزيد من الإشارات التي تجعلنا نمضي قدماً بثبات نحو كل ما يفرض الالتزام بالقانون واحترامه من قبل الجميع دون استثناء، كونه طريقا لا غنى عنه اذا أردنا محاربة الفساد ومواجهة مختلف أوجه الانحرافات والتجاوزات.
واذا كان موضوع الفساد قد عاد للتداول مجدداً، والعود هنا أحمد، لأنه جاء من بوابة مجلس التنمية الاقتصادية، والرؤية الاقتصادية المستقبلية للبحرين 2030 التي يلفت انتباهنا بأنها وضعت محاربة الفساد ووجود نظام رقابي وشفاف مطلباً أساساً وحيوياً للنمو الاقتصادي والتنمية وتحقيق العدالة، فإن ثمة موجبات تفرض القول بأن التحدي الحقيقي الذي يواجه هذه الرؤية هو كيف يمكن أن تؤدي دورها وأن تحقق مرادها في تحقيق هدف محاربة الفساد دون أن تقع في حبائل الشيطان، خاصة وأن كل قارئ للتفصيلات ذات الصلة بالرؤية، يجد أن هذه التفصيلات ضرورية ولازمة وملحة ولا تقل أهمية عن الأهداف العامة للرؤية، ولكن كم من مبادئ وأهداف نبيلة أجهضت بسبب التنفيذ السيئ الذي يضع من القيود والحدود والإعاقات ما يفرغ المضمون من محتواه، فالتفاصيل لا تقل أهمية عن المبدأ، بل هي العنصر الأساس، وقيل إن الشيطان يكمن في التفاصيل، ومن هذه الزاوية يكون على القائمين على أمر تنفيذ الرؤية أخذ ذلك بعين الاعتبار.. !!
إن الفساد لا يجوز ولا يليق ولا يمكن محاصرته بالصمت، وما دام مجلس التنمية الاقتصادية على ما نظن بات على قناعة بأنه يتعذر عليه المضي قدماً في تطبيق الرؤية بكل محاورها ومقتضياتها، اذا لم يكافح الفساد بالدرجة الكافية من الإصرار والحزم والحسم، واذا لم تضرب بؤر الفساد الضاغطة في كثير من مواقع السلطة والنفوذ، وطالما المستهدف أن يكون هذا الموقف من الفساد أحد آثار وثمار هذه الرؤية، باعتبار أنه بوجود الفساد يتعذر تحقيق أي نهوض اقتصادي وتنموي، فإن مدعاة للقول إننا لن نستطيع أن نحقق إنجازاً يذكر ما لم نثبت جديتنا في التصدي لكل مظاهر الفساد والخلل والتجاوزات، وهذه قضية ينبغي أن توضع في طليعة أولوياتنا، كقضية مجتمعية لا نعني بها جهة بعينها، وهذه حتماً مهمة ليست باليسيرة، كما إنه ليس من المصلحة التلكؤ فيها أو جعلها عرضة لعوائق وعثرات وتقاعس من أي نوع.
ومادامت مهمة مكافحة الفساد بتلك الأهمية بكل معيار، فإننا نتفهم جيداً المبرر الذي حدا بأحد أصحاب الأعمال في اللقاء الذي أشرنا إليه بين القطاع الخاص ومجلس التنمية الاقتصادية إلى أن يستدعي من الذاكرة تصريح سمو ولي العهد في منتدى جدة الاقتصادي قبل سنوات قليلة حينما أكد بأنه «ليس أضر على الاقتصاد والتنمية من الفساد المالي والإداري، وأنه لابد من محاربة الفساد بشتى الصور»، لعل ذلك الطرح قد عكس توق صاحب العمل، وتوقنا من دون شك بأن نشهد ارهاصات حركة حقيقية ضد الفساد المسكوت عنه بارك الله لمن يذكيها ويؤججها ويفعّلها حتى تستقيم أمور البلاد والعباد، وأحسب أن من بين ما قد يجعلنا نرسي دعائم تحقيق هذا الهدف على مداميك راسخة وقوية لا تجعلها عرضة للاهتزاز، أو المعالجات الظرفية والتسكينية، هو أن نتجه الى المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي وقعت عليها البحرين في 8 فبراير 2005، والأخذ بما سيترتب عليها من آليات وأجهزة ومنها إنشاء هيئة وطنية عليا لمكافحة الفساد، وإقرار قانون الكشف عن الذمة المالية، وتشريع ما يلزم من قوانين أخرى تسهم في محاربة الفساد بكل أوجهه، دون أن ننسى ضرورة أن يقترن ذلك بإصلاح اداري حقيقي يكفل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
أخيراً.. في تقديري وبافتراض أننا سنمضي بمنتهى الجدية على طريق محاربة الفساد، سيكون علينا تجاوز حدود الأقراص المهدئة وأن نعي بأننا قد نحتاج الى علاج قد يتجاوز الصدمات الكهربائية.. !!
17 ابريل 2009