قبل خمسمائة عام هبط المغامر الاسباني وقد اصطحبه في سفينته بعض العرب والحصان العربي إلى قارة بدت له كنزا بحلم الذهب (الدرادو) ومن هناك عاد إلى البلاط الاسباني بكائن بدائي بعد أن كبله بالسلاسل كما يكبل الكائنات المتوحشة، وبرفقته حيوان اللاما، وكأن الاثنين من الكائنات الغريبة التي عثر عليها هناك يرافقهما أمرا ثالثا هو الذهب، الذي سيثير لعاب الملك والملكة الاسبانية ، تاركا خلفه الحصان العربي هدية للقارة التي ستحمل في ثناياها ذاكرة ايجابية للعرب وقارة ملتهبة مثلها بالنفط والتمرد والانتفاضات والحروب.
في مؤتمر الدوحة اندمجتا معا قمتا الدوحة والقارة الجنوبية، فكان لقاء تاريخي هام يؤكد على ضرورة التحام مصالح الجنوب ـ الجنوب في عصر لم تعد القارة اللاتينية مظلمة فيما وراء المحيط، ففي عصر الانتقال السريع بالطائرات النفاثة العملاقة يصبح عالمنا أكثر تواصلا وتشابكا في المصالح الاقتصادية والتقارب الثقافي بين البلدان والشعوب.
وكعادته التقى شافيز العرب بعد انتهاء قمة الواحد والعشرين، وهو في حماس منقطع النظير، فقال ما يجب قوله وما خجل العرب بدبلوماسيتهم قوله فغضوا الطرف عنه، ففاضت أريحيته وتمددت!! حسبما ينبعث من لسانه ألفاظا تطرب الشارع العربي، فكان لمذكرة البشير صداها في نفسه، معلنا بأن من ينبغي محاكمتهم في المحكمة الجنائية الدولية هما الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش وشمعون بيريز فهما من تلطخت أيدهما بدماء الشعوب وهما من مارسا إبادة واضحة لبلدان وأبرياء، فوجد في البيت العربي مساحة وحوش واسع لكي يحوم ويجول، فنحن كثيرا ما نثمن القدرات اللاتينية في التهديف، ليس بأرجلها وحسب وإنما بقدراتها اللسانية المتسعة التي لا يلجمها عازل ولا حدود.
اليوم يحاول الرئيس شافيز في القارة اللاتينية أن يكون بطل المسرح هناك، محاولا أن يملأ المكان الفارغ لفيديل كاسترو العجوز المعروف بقدراته الكلامية ومكانته الشخصية لدى شعوب العالم الثالث تحديدا بل والأكثر خصوصية لدى الشعوب اللاتينية. وعندما دخل شافيز في مواجهة ساخنة مع الإدارة الأمريكية، ارتفع رصيده الشعبي وصارت كل جولاته السياسية في الخارج أو في خطبه العصماء، بموضوعه المحبب وبترديد نفس اللازمة السياسية، والتي بات يعرفها العالم حول هجومه على هيمنة الإدارة الأمريكية على مصالح البلدان وثروة الشعوب، بل واستخدامها كل قدراتها العسكرية والمالية في هاتيك المجالات، فيما ترزح الشعوب تحت مظلات الشقاء والفقر والأمية والجوع والأوبئة والبطالة.
ما قاله الزعيم الفنزويلي في اجتماع قمة العرب والجنوب اللاتيني يفتح آفاقا جديدة للتعاون، خاصة وان هذا اللقاء مع تكتل قاري هام وصاعد يأتي في ظل ظروف دولية حيوية ومتغيرات جديدة في سياسة البيت الأبيض والاتحاد الأوربي، وفي أجواء أزمة عالمية جديدة لا تحتمل الصدامات والتصعيد بين حضارات وشعوب العالم. وقد أبدت قمة العشرين في لندن رغبتها في الخروج من قفص الماضي بإعلان سياستها الجديدة، المالية والاقتصادية والسياسية التي وضعت أسسا جديدة لتغيير مرحلة ما قبل الحرب الباردة والثانية، إذ لا يمكن للعالم وأي نظام دولي أن يواجه الأخطار والمشاكل بمفرده، سواء كان ذلك على مستوى الاقتصاد والسياسة، أو كان ذلك على مستوى البيئة والثقافات والحضارات المتباينة . وقد بدت قمتا الدوحة، العربية والعربية اللاتينية وكأنهما تستكملان ما يواصل ويسعى إليه العالم الشمالي القوي في قمة لندن بتكملته إطار التعاون بينهما، إذ يشكل اللقاء في الدوحة طاقة هائلة من الشعوب والثروات، وإذا ما تم استثمار وتطوير تلك الطاقة بشكل دائم وصحيح، فان التقارب ما بين الجنوب والشمال كما هو حاليا بين الجنوب ـ والجنوب سيدفع عربة العالم في القرن الواحد والعشرين نحو أفاق أفضل . ولن يحتمل قرننا مزيدا من المشاكل التي تعطل التنمية والاهتمام بمزيد من حاجة الإنسان الأساسية والالتفات إلى المعارف الإنسانية الجديدة، والتي ستشكل مرتكز القرن الواحد والعشرين، غير إن العثرات والمشاكل الكبرى بحاجة إلى معالجة جادة لكي تمضي العقود القادمة على أساس متوازن بين البلدان وشعوب العالم، فما لم ينجز في القرن الماضي من حقوق ومسؤوليات يحتاج عصرنا إلى انجازه دون تأخير للتنمية، ودون إدخال عالمنا وشعوبنا في حروب داخلية وخارجية مدمرة، قائمة على نهج التمزيق والتفتيت والتفرقة العرقية والدينية والعنصرية والتفاوت الاجتماعي العميق، بين الأغنياء والفقراء في عالمنا المرعب بمظاهر الحرب والثروة.