لا شك ان العفو الملكي بإطلاق سراح المتهمين في القضايا الأمنية والسياسية التي تصدرت المشهد السياسي والاجتماعي والأمني والإعلامي على مدى عدة أشهر واستفاضت في تحليل مدلولاتها وغاياتها المواقع الإلكترونية وجدران بعض القرى القابلة للاشتعال من أدنى شرارة، والتي أعادت إنعاش الذاكرة المثقلة من الأساس بحكايات الماضي وقصصه كي يصار إلى استعادتها كلها مرة واحدة ودفعة واحدة وتوظيفها بما يخدم الغرض السياسي في تلك اللحظة أو الواقعة السياسية كما يقول الباحث الأكاديمي د. نادر كاظم في كتابه استعمالات الذاكرة، وبالتالي استثمارها والدق عليها لتكريس أجواء الشحن والتوتير واللجوء إلى وسائل العنف والتخريب وتعميم الخسائر وهد المعبد على من فيه، «وعليَّ وعلى أعدائي».
أقول هذه المبادرة من قبل جلالة الملك معتادة ومتوقعة ومدروسة ولها مثيل في السابق في اختيار التوقيت المناسب وتبريد الأجواء ومنع تصاعدها وتفجرها والحيلولة دون تمكين أعداء الإصلاح والتحول الديمقراطي السليم الذين يضيرهم ويهز مصالحهم سيادة مناخ السلم الأهلي الاجتماعي، يبدو أن البعض لا مكان ولا وظيفة له إلا في ظل الأزمات والتوتر والشحن الطائفي، فإذا انحسر بانت خسائره وانكشف دوره وانتهى مسوغ وجوده. المبادرة تشير إلى تفاعل حي وحقيقي مع الشارع ومطالبه، وتخدم استراتيجيات مملكة البحرين والرؤية 2030 الرامية إلى تحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية وتمتين الاقتصاد وتقوية ركائزه وتمكين المواطن البحريني وتحسين مستواه ودخله وقدراته العلمية والمهنية وجعله عنصراً جاذباً للقطاع الخاص، المبادرة تصب أيضا في خدمة مخططات البحرين البعيدة المدى وتحسين صورتها السياسية في مجال الحقوق والتشريعات والإجراءات الدستورية والديمقراطية السليمة وكذلك سمعتها الداخلية والخارجية في مضمار العدالة الانتقالية وفي طي صفحة الماضي وفي المضي قدماً نحو الإصلاح الحقيقي مما يعزز مكانة البلد اقتصادياً وسياحياً واستثمارياً.
دون استقرار سياسي وأمني وحوار متواصل ومستدام وتعبير إعلامي حر ومستقل بالكلمة وبوسائل الاحتجاج السلمي الحضاري وبانتهاج مبادئ المصارحة والمساءلة والمحاسبة وبوضع كل مشاكلنا وحاضرنا وماضينا على طاولة التحليل العلمي والمنهجي والديمقراطي المؤسس على مشاركة الجميع دون إقصاء أو تهميش لطرف دون آخر، أقول دون ذلك يصعب الحديث عن ديمقراطية أو ما يحقق مصالح العباد في المعيشة والسكن والأمان الاجتماعي والنفسي والسياسي المأمول. ولا شك ان المبادرة قد بثت روح الأمل مجدداً في إمكانية عيش حياة سياسية مستقرة لا يضيرها الصراع الإيجابي والتحاور المستمر بقدر ما يضيرها الجمود والتكلس والتراجع وتمسك الأطراف بمواقفها ورفضها التنازل وتقديم التضحيات وبلوغ منتصف الطريق، وهي لا شك مبادرة إيجابية قد فاجأت دعاة التأزيم الذين يتطوعون أو يؤمرون «بتحمية الدف» والطبول وتأجيج هذا الطرف ضد ذاك، ما أحوجنا إلى تنظيف وتنقية أجوائنا وذاكرتنا وجدراننا ووجداننا وتاريخنا المثقل «بالمنغصات» عبر زيادة جرعة الحوار وتمكين التحول الديمقراطي السليم.
الأيام 14 ابريل 2009