عودتنا الجامعة العربية في كل لقاء سنوي ـ هذا إذا لم تنشب ظروف معطلة ـ على أن تحدث مشاكل ثنائية أو جماعية قائمة على تحالفات وتكتلات عربية إزاء مشكلة عربية ـ وإذا لم تتفجر تلك المشاكل بحدة في اجتماع وزراء الخارجية، فان الرؤساء والزعماء يتمتعون بصلاحيات الحديث والقول وفق ما يرونه، خاصة وان الدول العربية اعتدنا على أن نسمع فيها اصواتا قد لا تعبر عن شعوبها في ظل غياب مؤسسات دستورية وبرلمانية تناقش اعقد المشاكل المتعلقة بمصير شعب وأمة. وبما أننا ظللنا لنصف قرن أو يزيد منذ نشوء الجامعة العربية على هذا المنوال، وهي لازمة فنية – نقاش وزراء خارجية ـ تمهد جدول أعمال بمشاكل عالقة وخطاب ونقاش ومجاملات ترطب مناخ التوتر ـ وحضور زعماء لاجتماع عربي ناقص. هذه اللوحة السياسية والفنية تطربنا بجدول أعمال كثيرا ما يردده الأمين العام للجامعة، واليكم جدول الاعمال والقضايا الساخنة: 1 ـ القضية الفلسطينية ومسيرة السلام. 2 ـ الوضع في السودان بشكل خاص. 3 ـ الوضع العربي الراهن وكيفية استمرار تنقية الأجواء العربية. الآن موضوع السودان هو الساخن، وفي فترة أخرى تغيب السودان وتصبح مسألة الاعتداء على جنوب لبنان وحربها هي التي تحتل الصدارة، غير أن في سنوات أخرى تتحول المشكلة الخاصة هي المسألة العراقية، وإذا ما عدنا للوراء فان غزو الكويت وقبلها الحرب العراقية ـ الإيرانية، وهلما جرا، وهناك من القضايا الساخنة العربية التي لن تتوقف بسبب حجم الوطن العربي جغرافيا وبسبب استعداد دوله على الصدام الساخن، فهل عشنا بلا قضية ساخنة؟ وطالما هناك جرح فلسطيني عميق المدى وصراع مركزي فلسطيني ـ إسرائيلي يشكل لب الصراع العربي، وهو بحاجة إلى حل شامل بقيام دولتين بحقوق كاملة، فان تلك المسألة لا نعلم متى تفك عقدتها، فكلما أتي رئيس يتمتع بمرونة إزاء حل الصراع في واشنطن صعدت حكومة متطرفة في إسرائيل، وإذا ما صادف وان كان هناك حكومة مرنة في إسرائيل وجدنا الانتخابات الأمريكية تتحفنا برئيس من طراز ريغان وبوش، وأحيانا نلتقي بحكومتين معاديتين ومحافظتين في واشنطن وتل أبيب، ولا تخلو الضفة العربية من أجنحة متشددة في الحكومات وفي أحيان أخرى في الجسد الفلسطيني، فهناك تيار مستعد للتفاوض بمرونة فيما نجد هناك تيارا يرفض رفضا تاما الحوار ومبدأ النقاش إلا وفق شروطه. هكذا عاصرنا الألم وعصرنا الوقت. الآن هناك موضوعان يهمني التطرق لهما بعيدا عن القضايا الأخرى؛ هو مسألة مذكرة اعتقال البشير كرئيس سوداني، ومسألة حدثت قبل شهور كشفت عن اعتداءات جوية على مناطق في دارفور. فكيف سنواجه المجتمع الدولي في إلغاء قرار المحكمة الجنائية الدولية؟ وماذا نمتلك من قوة ضغط داخل أروقة الأمم المتحدة؟ ثم ماذا بعد ذلك الإخفاق؟ أليس عار على جامعة عربية بأكملها باتت عاجزة عن إلغاء مذكرة اعتقال احد زعمائها؟ ألن تصبح القمم العربية بسبب المذكرة شرخا جديدا في تصدعنا وفرقتنا وإخفاقنا الدولي في حالة رفض الأمم المتحدة ومحكمتها الإذعان لشتى أنواع المطالب العربية؟. أما المشكلة الأخرى وهو الاعتداء المجهول على مناطق من إقليم دارفور، والتي بعد مدة كانت تلميحات اولمرت تشير إلى انه الطيران الإسرائيلي، فهل يترك العرب هذا التحدي الخطير بفتح جبهات جديدة تتحول مستقبلا إلى حالة متوترة في المنطقة تنشب من خلالها دعوات لمطالب انقسامية بحجج الهوية. وإذا ما جلس العسكريون وقلبوا مساطرهم في الخارطة العسكرية في المنطقة، أليس هناك من أسئلة عن مسار الطيران الإسرائيلي للوصول إلى دارفور. وهل هذا التحليق الجديد نوعا من التمرين العسكري لفحص القدرات الإسرائيلية الجديدة، وبوجود تسهيلات وعلاقات ثنائية باستخدام قواعد بعض البلدان المجاورة للسودان. وإذا لم تتوافر تلك العلاقات، فان التحليق من فوق المياه الإقليمية الدولية في البحر الأحمر ساعد على المرور من حدود بعض الدول نحو دارفور. لا ينبغي أن تمر مسألة السودان بجانبيه، المذكرة والاعتداء، غير أن حقيقة المذكرة قد تدخلنا إذا ما فتحنا أفواهنا بأكثر مما ينبغي إلى ورطة دولية حول اتفاقية روما التي امتنع غالبية العرب عن توقيعها، وإذا ما مطط بعض الزعماء المسألة وحاولوا البحث عن مساومات ترضي الطرفين، فان ذلك لن يغير كثيرا بتقديم أشخاص لمحاكم حرب وإبادة جماعية ومسؤولية التعذيب. العرس العربي الجديد هو عودة العمق العراقي للجسم العربي، ونجاح العرب في استبعاد إيران عن مؤتمرات عربية خالصة، فكل ذلك يحمل دلالات على تفهم الفرق بين التدخل في الشأن العربي، ودور الأهمية السياسية والاقتصادية والأمنية للعلاقة العربية ـ الإيرانية.
صحيفة الايام
14 ابريل 2009