إحدى أهم القضايا التي واجهتنا ونحن نتحرك على مبادرة الحوار الوطني التي أطلقناها في المنبر التقدمي كانت في محاججة بعض من التقيناهم من ممثلي جمعيات سياسية وشخصيات حول البند الذي تضمنته المادة بالنص على إطلاق سراح المعتقلين والموقوفين وإغلاق الملف الأمني، في إطار الالتزامات التي نصت عليها المبادرة سواء تلك المترتبة على الدولة أو على القوى المجتمعية والسياسية. كان رأي هؤلاء المحاججين أنه لا يمكن تضمين هذا البند في المبادرة لأنه يجعلها مشروطة، كما كانوا يقولون، رغم شرحنا المتواصل لضرورة التعاطي مع المبادرة بوصفها سلة متكاملة، وأن هذا البند يأتي في سلسلة متكاملة من المبادىء والالتزامات. بودنا أن نسال هؤلاء الأخوة المحاججين اليوم عن موقفهم بعد العفو الملكي عن المحكومين والمتهمين فيما بات يعرف بالقضايا الأمنية، والذي قدم من خلاله جلالة الملك مثلاً آخر من الأمثلة التي اعتدناها من جلالته في معالجة الأمور بحكمة، وكم نتمنى لو أن الكثير من أجهزتنا الحكومية تعاطت بروحها مع القضايا المختلفة. غاية القول أن ما اعتبره البعض عقبة كأداء في وجه إطلاق آلية الحوار الوطني، أي إطلاق سراح المعتقلين، قد سويت، بل اتضح أنها الخطوة الأسهل في الآلية التي اقترحناها ووافقتنا عليها قوى وفعاليات وشخصيات واسعة في المجتمع. ونود في هذا السياق أن نعبر لجلالة عاهل البلاد عن تقديرنا لخطوته الشجاعة هذه التي نزعت عاملاً من عوامل الاحتقان في الوضعين السياسي والأمني، ونهنىء المفرج عنهم بسلامتهم وعودتهم إلى أهاليهم، وأن نرى في هذا النوع من المعاجة التي قام بها جلالة الملك نموذجاً لما تحتاجه البلاد في المرحلة الراهنة من معالجات للقضايا التي تواجهها. ونحن نرى في هذه الخطوة مدخلاً صحيحاً ومناسباً لأن تجد الدعوة للحوار الوطني الشامل طريقها في التطبيق الفعلي، فالوطن بحاجة لمثل هذه الآلية التي لن تغني عنها الوساطات رغم أهميتها ورغم تقديرنا للقائمين بها، لأن الحوار الذي ندعو إليه لا يقف عند جانب واحد من الأمر، هو الجانب الأمني، وإنما يطال كل تلك القضايا التي يمكن أن تكون سبباً في المستقبل لتوترات أخرى، لا قدر الله. وما زلنا نعتقد أن الأسس التي بنيت عليها مبادرتنا للحوار الوطني تشكل قاعدة مناسبة لمواصلة العمل المشترك وفق الروحية التي جسدها العفو الملكي، من خلال التزام الجميع، في الدولة والمجتمع، على قواعد إدارة العلاقة، بما في ذلك حول قضايا الخلاف، لأن هذه الأسس تلزم الجميع بقواعد العمل السياسي المتحضر الذي يضمن للدولة ورموزها المهابة والاحترام، ويضمن للقوى السياسية في المجتمع حقوقها في المعارضة السلمية الديمقراطية، بناء على مرجعية ميثاق العمل الوطني والثوابت الدستورية. إن فرصة طيبة تنشأ في البلاد اليوم يجب استثمارها بصورة مسؤولة وناضجة، والبناء عليها بوعي لتجنيب الوطن المخاطر، وللحفاظ على المكتسبات المهمة التي تحققت في البلاد بعد المشروع الإصلاحي، ومنع الانزلاق مجدداً إلى أجواء التوتر الأمني والمعالجات الأمنية المترتبة عليه.
صحيفة الايام
13 ابريل 2009