هبط سعر برميل النفط يوم الاثنين 30 مارس الماضي إلى ما دون الـ 51 دولاراً، مواصلاً خسائره في جلسات سابقة تحت ضغط من الدولار القوي وهبوط أسواق الأسهم العالمية. فقد ارتفع الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى في بداية التعاملات الآسيوية مُعززاً بخسائر اليورو التي نجمت عن إشارة أحد صناع السياسة إلا أن عدم المسؤولية المالية في منطقة اليورو يمكن أن تعرضه للخطر، فضلاً عن توقعات بأن يبادر البنك المركزي الأوروبي في اجتماعه (نهاية الشهر الماضي) إلى خفض سعر الفائدة على اليورو (خفّضها فعلاً). وكان لافتاً بهذا الصدد ما صرح به أحد كبار المسؤولين في وزارة المالية اليابانية، وما صرح به أحد كبار المسؤولين في المصرف المركزي الروسي، وما صرح به رئيس صندوق النقد الدولي أن الدولار سيبقى العملة الاحتياطية العالمية لبعض الوقت. وتأتي هذه المكاسب التي يحققها الدولار في النظام النقدي الدولي متعدد العملات (الرئيسية) في وقت بدأت ترتفع فيه الأصوات القائلة بدنو الوقت الذي يتوجب فيه على الدولار أن ينزل من على عرشه الذي تربع عليه منذ أكثر من 60 عاماً. وكانت الدعوة الأكثر صراحة في هذا الصدد صدرت عن محافظ بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) ‘زهو خياوتشوان’ (Zhou Xiaochuan) الذي طالب في مقال كتبه في الصحيفة الصينية الأولى، بإحداث إصلاحات جذرية في النظام النقدي العالمي يتم بموجبها استبدال الدولار بعملة احتياط عالمية رئيسة. وهذا يؤذن بتمحور أحد اتجاهات صراع المصالح الاقتصادية بين الدول الاقتصادية المركزية والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، في ضوء الأزمة المالية العالمية، حول النظام المالي العالمي، وأن طرفيه الرئيسيين سيكونان الولايات المتحدة والصين. وملاحظة محافظ البنك المركزي الصيني، المغايرة للملاحظات الإيجابية بشأن مستقبل الدولار التي أشرنا إليها عاليه، وعلى درجة من القوة، بحيث إنها استدعت تصحيحاً ذاتياً للأقوال من جانب وزير الخزانة الأمريكية ‘تيم جيثنر’ (Tim Geithner) الذي كان علق بصورة مرتبكة على الاقتراح الصيني في 25 مارس الماضي في نيويورك ما أدى إلى انعكاس تعليقه غير الواثق سلباً على الدولار قبل، أن يعود ويتدارك بالقول ‘إنه من الطبيعي أن يبقى الدولار يطلع بالدور المهيمن كعملة الاحتياط الرئيسة في العالم. أما الذي دفع المسؤول الأول عن إدارة السياسة النقدية في الصين للدفع برؤية بلاده لمستقبل النظام النقدي العالمي في ظل الأزمة المالية الاقتصادية العالمية، فهو بعث رسالة إلى واشنطن مفادها أن الصين قلقة من تمادي مجلس الاحتياط الفدرالي الأمريكي في طباعة أطنان من الدولارات لتمويل العجوزات الأمريكية وعمليات الإنقاذ، ما يلحق أفدح الأضرار بالعملة الأمريكية، ومن ثم ينعكس سلباً على قيمة الاحتياطيات الصينية الدولارية الضخمة وأصولها الدولارية في الولايات المتحدة، والتي تقارب 11 تريليون دولار. إذاً الصين قلقة فعلاً على مصير أصولها واستثماراتها غير المباشرة (في سندات الخزينة الأمريكية أساساً). صحيح أن أمريكا قوة عالمية عظمى، اقتصادية (يشكل اقتصادها حوالي رُبع الاقتصاد العالمي) وعسكرية، إلا أن انفراط عقد إدارتها الاقتصادية على النحو المروع الذي أودى بجزء من الثروة القومية الأمريكية يعادل قيمة كامل ناتجها المحلي في سنة واحدة (حوالي 13 تريليون دولار)، وانهيار بعض دعاماتها الاقتصادية، قطاع المصارف الاستثمارية وقطاع صناعة السيارات، لابد وأن يسترعي الانتباه والخوف من جانب أولئك الذين وضعوا معظم ‘بيضهم’ في السلة الأمريكية. والقلق من وجهة نظر محافظ البنك المركزي الصيني مُسبَّب على أية حال، فهو يدفع بأن النظام النقدي العالمي القائم على عملة احتياط واحدة تقريباً هي الدولار، له عيبان رئيسيان: الأول يتمثل في أن وضع الدولار اليوم كعملة احتياط ساعد على خلق اللاتوازن في الاقتصاد العالمي، فدول الفائض المالي ليس أمامها من خيار سوى وضع فوائضها المالية في عملة الاحتياط، مادامت تستخدم في دفع فواتير المعاملات التجارية والمالية ومادامت تتمتع بأكبر سوق للسندات السائلة. ومن دون إغفال حقيقة أن هذا الوضع جعل الولايات المتحدة تقترض دون حساب، وجعل فقاعة العقار تتضخم لفترة أطول مما كان يفترض، أي عند الحد الذي يمكن السيطرة عليه. أما العيب الثاني يتمثل في أن دولة عملة الاحتياط تقوم بمقايضة الاستقرار المحلي بالعالمي، فطبع كميات هائلة من الدولارات بواسطة مجلس الاحتياطي الفدرالي لدعم الاقتصاد له ما يبرره من وجهة نظر المصلحة الوطنية الأمريكية، إلا أن ذلك لا مبرر له من وجهة نظر المصلحة الكلية للاقتصاد العالمي، ناهيك عما يلحقه ذلك الإجراء من إضرار بقيمة الدولار. ولذلك يقترح ‘زهو’ نقل امتياز عملة الاحتياط الدولية الأولى من الدولار الأمريكي إلى حقوق السحب الخاصة (Special Drawing Right – SDR)، وهي عملة حسابية (وليست تداولية) لتسوية المدفوعات الدولية عبر المؤسسات المالية وتحديداً صندوق النقد الدولي. وكانت هذه العملة أنشئت عام1969 بعد تدهور وضع الدولار كعملة دفع واحتياط دولية، وصولاً في أغسطس 1971 إلى قرار الرئيس ريتشارد نيكسون بإلغاء التزام بلاده من جانب واحد تجاه المصارف المركزية الأجنبية باستبدال الدولار بالذهب والعملات الأجنبية القابلة للتحويل، ووضع ضريبة إضافية مقدارها 10٪ على البضائع المستوردة من أوروبا الغربية واليابان وكندا والدول النامية، وتجميد الأسعار والأجور في الولايات المتحدة لمدة 90 يوماً. وكان الهدف من إنشاء وحدة حقوق السحب الخاصة ‘SDR’ خلق عملة احتياط عالمية مساندة، إلا أنها أصبحت تستخدم أساساً في تعاملات صندوق النقد الدولي مع الدول الأعضاء في الصندوق. وهي متاحة للدول الأعضاء في الصندوق بقدر مساهماتها المالية في رأسمال الصندوق. قد تجد فكرة محافظ البنك المركزي الصيني من يؤيدها من دول الاقتصادات الصاعدة التي راكمت في العقدين الأخيرين احتياطيات نقدية ضخمة، إلا أنها لا تتمتع بحظوظ كبيرة، على الأقل على المدى القريب.
صحيفة الوطن
12 ابريل 2009