المنشور

عبد الرحمن النعيمي


في مثل هذا اليوم, الرابع من ابريل, منذ عامين دخل أبو أمل, عبدالرحمن النعيمي, في غفوته. حسبنا انه أراد أن يرتاح قليلاً من وعثاء السفر وأعباء الكفاح التي ما وهن لحظة عن حملها, ليعاود النهوض ثانيةً. لكن غفوة أبي أمل طالت حتى امتدت عامين, وهاهي تدخل عامها الثالث, ربما لأن ما تراكم على كاهله من تعب, استدعى هذه الغفوة الطويلة, أو ربما لأن القدر أراد أن يجعله قريباً منا وبعيداً في الآن ذاته, حاضراً وغائباً, شريكاً لنا في ما نفعل ومراقباً لخطانا السائرة على الدرب الذي سار عليه طويلاً, هو وأحمد الذوادي وآخرون من أولئك الرجال والنساء الذين قُدت إرادتهم وعزائمهم من فولاذ, فكانوا, في أقسى المصائر التي عبرها هذا الوطن, يُربون الأمل في النفوس, لكي تكون البحرين التي أحبوا ويحبون أجمل وأزهى, وليكون شعبها حراً سعيداً.

نفتقد عبدالرحمن النعيمي اليوم, حيث يغيب صهيل الخيول الجامحة نحو المجد, ويعلو فحيح أفاعي الفتن الطائفية والمذهبية, المتربصة شراً بهذا الوطن, التي تريد لنا العودة القهقرى, ومصادرة المنجز الوطني التوحيدي للشعب الذي صنعه قادة الشعب منذ هيئة الاتحاد الوطني, ومنذ إضرابات العمال في شركة «أكمي» مطالع الخمسينات يقودها حسن نظام وعلي مدان ورفاقهما. ومنذ الخلايا السرية الأولى في المنامة والمحرق والقرى, تطبع منشورات الحرية والخبز, وتوزعها في أرجاء الوطن المفعم بالتوق للمستقبل يوم كانت بواكير الفكر التقدمي تعبد طريق الحرية والأمل في البحرين, مروراً بانتفاضة مارس 1965, مروراً بالصعود التقدمي الديمقراطي بين السبعينات والثمانينات الذي كان أبو أمل أحد روافعه ومداميكه الكبرى الصلبة, في وجه آلة القمع الدموية التي جسدتها, في أبشع صورها, مرحلة قانون أمن الدولة البغيضة.

في منافيه الطويلة التي دامت عقوداً بين الإمارات وعدن ودمشق وسواها من مدن, كان النعيمي أقرب إلى الوطن ونبض الشارع فيه من المقيمين فيه, وكان أحد صناع ما يدور فيه وهو في البعد. وفي اللحظة التي عزم فيها هذا الوطن أن يتصالح مع نفسه, عاد إليه, حاملاً معه الأمل في أن تكون هذه لحظة قطع مع الماضي المثقل بالآلام والأحزان, صعوداً إلى الأمام.

من أجل ذلك عمل أبو أمل, ومن أجل ذلك عمل أحمد الذوادي وكل رفاقهما الذين عادوا من المنافي أو أولئك الذين تحرروا من عبء العمل السري, لينقلوا إلى العلنية القضايا التي أفنوا في سبيلها زهرات شبابهم, وكابدوا من أجلها أهوال السجون والمعتقلات والمنافي.

لن تكتب يوميات السنوات المفعمة بالأمل التي تلت التصويت على ميثاق العمل الوطني, دون الوقوف على الدور المحوري الذي كان لعبد الرحمن النعيمي ولأحمد الذوادي وللتيار الوطني الديمقراطي في التأسيس لاستحقاقات المرحلة الجديدة, وصوغ أشكال التعاطي مع مستجداتها. وليس أمراً غير ذي مغزى أن التيار الديمقراطي بالذات كان أول من شكل الجمعيات السياسية, لأنه يقف على الأرض الأصلب قياساً إلى الآخرين, ولأنه يرث تراثاً كفاحياً عريقاً لا يتوفر لسواه. تدخل غفوة أبي أمل عامها الثالث, لكنه بعطائه وإرادته ومنجزاته لشعبه ولوطنه ولتنظيمه يظل حاضراً معنا في كل الخطى, اليوم وغداً.