أي خطوة أو مبادرة أو تحرك لحلحلة الأوضاع المقلقة الراهنة والشروخ التي تتسع والتي لا تحتاج إلى اجتهادات أو إثباتات أو مكابرة بنكرانها أو التهوين منها, لا يجب أن تكون محل ابتهاج وحفاوة فحسب, بل لابد أن تحظى بكل أوجه الدعم والمساندة والالتفاف.
ولكن هل ينبغي علينا أن نستقبل بذات الحفاوة والترحيب خبر مسعى بعض النواب من الكتل المختلفة لتدشين «ميثاق شرف ضد الطائفية, وضد الاعتداء على بعضهم البعض في التصريحات الصحافية أو داخل مجلس النواب..»!! إن صح هذا الخبر الذي شككنا منذ الوهلة الأولى في صحته, فإننا نجد بأنه لا مناص من استقباله بقدر كبير من الاستغراب والحيرة, ليس فقط لأن الأجواء المقلقة في جزء كبير معتبر منها سببها أولئك النواب الذين لم يتحرروا في أدائهم البرلماني من القيد الطائفي, بل وعمقوا التعامل في كل شأن برلماني ووطني انطلاقاً من حسابات مذهبية وطائفية ومناطقية ضيقة, وجعلوها في مواقف باهرة الوضوح سوقاً سوداء للتداول والتنافس في سبيل جاه أو سلطة أو تسويات أو ترضيات أو مصالح ومكاسب شخصية, لا تمت بعلاقة الى منطق العمل النيابي ولا إلى المفهوم الوطني, ولا تعزز الإيمان بالحياة النيابية, وما من أحد ينكر بأنه ظهر في هذه الأجواء من بات يدعي من نوابنا احتكار التمثيل الوطني ونكرانه على الآخرين, ومن سعى منهم بأن يظهر نفسه منزها عن الممارسة الطائفية, وجدناه بأنه يستمد هذا المظهر من حسابات واعتبارات تمثيل طائفي, أو من كونه أحد قوى الطائفية أو كسوراً منها.. !! هل من المعقول الآن أن من فعل ذلك وكانت له إسهامات في المأزق الطائفي الراهن الذي يكاد أن يستحكم ويتحكم بالجميع, وخلق صراعات, وافتعل أزمات, ونمَّى كل مفردات الردح, وآثار جلبة صاخبة من التشنجات والتجاذبات والمواقف والتصريحات والممارسات التي لا تزال مماثلة على مستويات شتى, والتي ربما ظن نوابنا أنها تخلق انطباعاً عن عملهم البرلماني فيما هي في الحقيقة كانت عوضاً عن العمل ذاته, إلى درجة أن أصبحنا نخشى عندما نتوقف عند حصاد التجربة أن نجدها بلا محصول..!!
نقول هل من المعقول أن من فعل ذلك وجنح بالسياسة إلى الطائفية, وأفرز جزءاً كبيراً مما كان وقعه صادماً ومزعجاً وباهظاً في تكلفته على مجتمعنا من جميع الوجوه وبأي معيار, هو الذي يتبنى اليوم فكرة أو مشروع ميثاق شرف ضد الطائفية بذريعة حرصه على الوحدة الوطنية التي نعلم جيداً حجم التجاوزات التي ارتكبت باسمها, والممارسات التي رفعت شعارها وانحرفت نحو الديماغوجية, كما إنها العنوان أو الشعار الذي رفع وانتشر ولحن واستغل من أطراف شتى لأهداف أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها لا تخدم الوحدة الوطنية لا من قريب ولا من بعيد, وكل ذلك لا يزال بلا شك ماثلاً على بعض المستويات.
إننا نعلم أن هذه ليست المرة الأولى وربما لن تكون الأخيرة التي نشهد فيها مبادرات مماثلة, هي في الغالب ذات طابع «مناسباتي» تنتهي بانتهاء المناسبة, لتبقى مجرد حبر على ورق, المهم فيها أن أحداً ممن وقعها وبصم عليها وأشاد بها لم يلتزم بها ولا بالمضامين التي تبنتها هذه المبادرات, ولعلكم تذكرون ميثاق شرف «صحافيون ضد الطائفية», وميثاق شرف المدونين ضد الطائفية, وميثاق شرف المواقع الإلكترونية ضد الكراهية والطائفية, والتي خلاصتها تعاهد الجميع على أن يكونوا ضد الطائفية, كل ما علينا أن ننظر ونتأمل إلى أي مدى التزم الكثير من الموقعين على تلك المواثيق بأن يكونوا حقاً ضد الطائفية, وأنهم فعلياً اعتبروا الطائفية فخاً يجب تجنبه.. لا فرصة يجب استغلالها واستثمارها, فهل ستكون مبادرة النواب بافتراض صحة هذا الذي نشر أفضل من غيرها. نرجو ذلك.. ونحلم بذلك..