لسنا نفهم ما الذي يحمل الدولة على إلغاء ندوة سياسية أو مسيرة سلمية أو تجمع هنا أو هناك للمطالبة بقضية عادلة من القضايا.
الدولة في غنى عن ذلك، ليس فقط لأن منطق الأمور يقول أن من شروط الديمقراطية ضمان حق الأفراد والهيئات في التعبير عن آرائهم ومواقفهم تجاه القضايا المختلفة بالوسائل السلمية التي يحميها الدستور والتي يتعين على التشريعات كافة أن تكيف في اتجاه تعزيز مثل هذه الحماية؟ وإنما أيضاً لأن إقامة مثل هذه الأنشطة والفعاليات التي يجري فيها نقد الدولة وأدائها إنما يسهم في تعزيز الممارسة الديمقراطية وترسيخها.
على أجهزة السلطة التنفيذية أن تعلم، وهذا ما يفترض أن التجربة قد أكدته مراراً، أنها في كل مرة تمنع نشاطاً أو ندوة أو مسيرة أو حتى تلوح بمثل هذا المنع فإنها تعطي هذا النشاط أبعاداً أكبر من تلك التي كانت لها في الأصل، وهكذا فالندوة التي يمكن أن تعقد وتمر دون أن يدري عنها الكثيرون تصبح حدثاً كبيراً له أصداء وتداعيات بسبب تدخلات السلطة التنفيذية التي ليس لها ما يبررها.
ما الذي يجعل الدولة تضيق ذرعاً بندوة يقال فيها الكلام الذي تتداوله يومياً الصحف والمنتديات والمجالس واللقاءات الخاصة، بحيث لم يعد هناك أمر يوصف بأنه جديد أو خطير في ظل الديناميكية السياسية الحالية التي يتميز بها المجتمع البحريني الذي يطرح كل القضايا بما فيها أكثرها سخونة للنقاش والتداول؟
وهي ديناميكية يفترض أنها كفيلة بأن تفرض على أجهزة الدولة تغيير إيقاعها والتخلص من العادات الموروثة من المرحلة السابقة، مرحلة الريبة والخوف والشك في كل نشاط أهلي، وهي عقلية لن يؤدي استمرارها إلا إلى المزيد من الجمود والتلكؤ، وعلى الدولة أن تدرك إن من علائم حيوية العمل السياسي في البلاد أن تفتح له الأبواب والنوافذ طالما كان الأمر في إطار القانون وفي إطار الحقوق المرعية.
لن تنقلب البلد عاليها سافلها بسبب ندوة أو مسيرة أو تجمع، بل على العكس فإن المجتمع سيزداد حصانة وتدريباً على الممارسة السياسية، وسيتكفل الزمن بعقلنة الأداء السياسي وترشيده بالصورة التي تضمن تعميق التحول نحو الديمقراطية بالأدوات الديمقراطية وليس بوسائل العنف والعسف والزجر التي تؤكد التجربة عقمها وعجزها عن إيقاف تعبيرات المجتمع في الإفصاح عن نفسها، سواء أعجبتنا هذه التعبيرات أم لم تعجبنا.
سنظل نطالب ببرامج واضحة لمعالجة الظواهر الاجتماعية والسياسية التي تدفع إلى الاستياء والتذمر في صفوف الناس، والبحث عن حلول لاحتواء مظاهرها الحادة، لأن رصيد الأمل في حال أحسن تآكل لدى الناس، ومحله صرنا نلمس شحنات من الخيبة والإحباط والتذمر التي يجب تفهم بواعثها والسعي المسؤول لمعالجة هذه البواعث.
من المهم أن تظهر الدولة الصبر الضروري في التعاطي مع بعض المظاهر الاحتجاجية، وأن لا تدفع الأمور في اتجاه الاستخدام المفرط للقوة، وأن تسود لغة القانون والمعالجة المتأنية للأمور بعيداً عن ردود الفعل والتشنج، في سبيل تهيئة السبل لبلوغ الحلو والتوافقات بعيداً عن منطق المجابهة والتصعيد من مختلف الأطراف.