المنشور

قمة العشرين.. وعيد العمال العالمي

غداً الخميس تنعقد في لندن أول قمة اقتصادية عالمية تحت اسم “قمة العشرين” منذ انفجار الازمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية في خريف العام الماضي 2008م والتي كان فتيلها أشعله انفجار ازمة الائتمان في سوق العقار بالولايات المتحدة اكبر دولة رأسمالية في العالم والتي هي في ذات الوقت اكبر قوة اقتصادية على الساحة الدولية، لتتطاير شظايا الانفجار الصغير من على المستوى الامريكي، متحولة الى انفجار عالمي كارثي مازالت تداعياته تتوالى تباعا في ضرب وعصف كل اقتصادات دول العالم بلا استثناء، الصغيرة منها والكبيرة، المتقدمة صناعيا والمتخلفة صناعيا (او المسماة تأدباً الدول “النامية”)، النامية الفقيرة، والنامية النفطية، ان صح التعبير.
لعل من نافلة القول ان شعوب دول العالم الثالث المنكوبة بأنظمة استبدادية وشمولية، بما في ذلك عالمنا العربي، هي الاكثر تأثراً وتضرراً من شظايا الزلزال المالي الكبير الذي كانت بؤرة انفجاره نيويورك، فإذا ما أضفنا الى ذلك كون تلك البلدان مبتلاة بنوع آخر من الكوارث السياسية، كأعمال العنف والارهاب والاضطرابات والقلاقل الداخلية طائفية وسياسية، اضف الى ذلك جوا من عدم الاستقرار المزمن الذي يسود المنطقة منذ ستة عقود والذي يسير حثيثاً من سيئ الى أسوأ وذلك لوجود اسرائيل في المنطقة لادركنا حجم تبعات تلك الازمة الاقتصادية العالمية على الاقتصادات الهشة لدولها العربية تحديداً.
ولئن كان العرب قد عقدوا قمتهم الاقتصادية التي تمخضت بنتائجها الهزيلة المهزلية في ذروة انقساماتهم حول امكانية عقد قمة عربية لوقف اعمال الابادة الوحشية الاسرائيلية بحق اهالي قطاع غزة المدنيين، ثم ها هي قمتهم الاعتيادية قد انتهت قبيل يومين متمخضة عن قرارات انشائية هزيلة.
ثمة دروس وعبر مستفادة عربيا من هذه القمة العالمية الموشكة على الانعقاد على الصعيد الرسمي بوجه عام، وعلى الصعيد الشعبي بوجه خاص، وذلك فإذا كان العرب على الصعيد الرسمي، لقلما استفادوا أو ابدوا اهتماما بالاستفادة من دروس وخبرات وتجارب دول العالم الاقتصادية بما فيها الدول الكبرى التي يرتبطون بها بذيلية اقتصادية، او ان شئت فقل بعلاقات اقتصادية غير متكافئة وغير ندية، ولعل الدرس الابرز والاهم رسميا المستفاد من نتائج هذه القمة العالمية مقدماً انها لن تخرج بحل سحري او بعلاج شاف لحل الازمة الاقتصادية التي تتخبط فيها الدول الكبرى الصناعية المتقدمة والمعروفة بعراقتها الديمقراطية وعلى رأسها الولايات المتحدة، فما بالك ان تجد العلاجات للدول النامية ذات الاقتصادات التابعة لها والمعروفة بأنظمتها الاستبدادية والفساد المزمن الذي ينخر هياكلها الاقتصادية ومؤسساتها المالية والمواردية؟ ذلك بأن الازمة الراهنة التي تأخذ بخناق الاقتصادات المتقدمة هي في الصميم واحدة من اكثر ازمات النظام الرأسمالي التي تثبت عجزه عن التماشي والتكيف مع التقدم الاجتماعي للبشرية جمعاء. نعم فلقد سقط النظام الاشتراكي وفق الطبعة السوفييتية الشمولية وبكل امراضه المعروفة التي افتكت به في النهاية صريعاً على الارض، لكن منذ ذلك السقوط المدوي عجزت الرأسمالية العالمية ان تثبت او تقنع شعوب العالم، دع عنك شعوبها، انها النظام الاجتماعي الأصلح أو الاعدل وان كانت ليبراليا سياسيا هي اكثر التجارب التاريخية عراقة في الديمقراطية.
اما على صعيد الدروس الشعبية العربية الأهم المستفادة من قمة العشرين فهي تلك الحركات الاحتجاجية العالمية المتوالية والتي تشارك فيها قوى وطبقات وشرائح اجتماعية متنوعة مختلفة لا تقتصر على العمال او الفئات الوسطى فقط، كما كان الحال ابان الحرب الباردة بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، ولا تقودها قوى اليسار العالمي فقط، بل تشارك فيها قوى وشرائح وفئات اجتماعية مختلفة غير العمال وتقودها منظمات وقوى سياسية، وناشطون غير اليسار في زمن لم يعد فيه اليسار العالمي ولا نقاباته هم المسيطرون على حركات الاحتجاج العالمية ضد الولايات المتحدة والنظام الرأسمالي بمجمله، ولم يعد فيه الاتحاد السوفييتي موجوداً.
وهكذا فإنه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي شهد العالم ومازال يشهد احتجاجات عالمية واسعة النطاق، عنيفة ومسالمة، ليس ضد الازمات الاقتصادية الرأسمالية المتوالية او العولمة التي انطلقت حتى في عقر الدول الرأسمالية الكبرى، كما حدث في سياتل اواخر التسعينيات، ثم في هونج كونج، وفي ايطاليا وفي بريطانيا، ناهيك عن الاحتجاجات الدورية بمناسبة انعقاد قمة الدول الصناعية الثماني، بل مظاهرات احتجاجية صاخبة مازالت تتوالى ضد سياسات الولايات المتحدة واستراتيجياتها الكونية في العالم.
ومن المفارقات التاريخية الساخرة ان أعظم ازمات الرأسمالية الراهنة، واعتراف منظرين ومفكرين عديدين رأسماليين بالحاجة الماسة الى ضبط انفلات الاقتصاد الحر، والحاجة الى ضوابط او اشكال من تدخل الدولة والحماية الاجتماعية كل ذلك يجري في ظل انحسار قوى اليسار العالمي وتعاظم ازماته منذ انهيار المنظومة الاشتراكية السابقة وطليعتها الاتحاد السوفييتي. ولنا ان نتخيل كم ستستفيد تلك القوى اليسارية العالمية من تلك الازمات الرأسمالية التي لم يسبق في تفاقمها مثيل تاريخيا، كما لم يسبق ان وقفت قوى واحتجاجات ضدها من شرائح وفئات متنوعة جديدة في العالم، لو ان اليسار العالمي تمكن من استعادة شيء من عافيته وليس مازال يتخبط في كبوته المزمنة.
والراجح، كما يبدو، لنا جليا ان تلك الاحتجاجات العالمية ضد قمة العشرين ليست سوى “بروفة” نموذجية لاحتجاجات منتظرة في مناسبة عيد العمال العالمي ضد ما افرزته وتفرزه الازمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية الراهنة من كوارث اجتماعية خطيرة تنكب بها كل شعوب العالم، وذلك ليس احتجاجا على الارتفاع الصاروخي لاسعار السلع الغذائية فقط، أو لتزايد ملايين الجوعى والمشردين في العالم، بل للارتفاعات غير المسبوقة في معدلات البطالة وما ذلك إلا ابرز تجلياتها وتداعياتها، فهل ستستفيد القوى النقابية العربية واليسار العربي من مناسبة اول مايو القادم (عيد العمال العالمي) لتثبت انها غير متخلفة عن الركب العالمي في هذا الصدد؟

صحيفة اخبار الخليج
1 ابريل 2009