سيكون من باب الاستخفاف بالأمور، إدارة الظهر للتطورات المقلقة التي تجري على الأرض، والتي ازدادت وتزداد تفاقماً خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتصرف كما لو أن شيئاً لم يكن، وأن الأمور على خير ما يرام كما يحاول بعض الأخوة الكتبة أن يجادلوا.
ثمة تطورات ووقائع تحدث كل يوم في مناطق مختلفة من البلاد، نحن في حاجة للوقوف أمامها، والتبصر الجاد في أبعادها، وفي النتائج الوخيمة التي يمكن أن تسفر عنها، إذا ما استمرت المعالجات الراهنة، التي لا تفعل سوى زيادة الأمور تعقيدا.
إن إجراءات وتدابير كثيرة يجب أن تبذل في سبيل الانتقال في العلاقة بين الدولة والمجتمع من حالة الخصومة إلى حالة الشراكة، وهذا يتطلب خطوات جدية من جانب الدولة تسهم في تعزيز مناخ الثقة بصفتها الطرف صاحب المبادرة والقادرة عليها، تتصل بالتوافق حول المسائل المعلقة، بوقف أوجه التعدي على الحريات العامة.
سواء جاء هذا التعدي على شكل تدابير على الأرض أو على شكل مشاريع قوانين مقيدة لهذه الحريات، وكذلك منع التطاول على الفضاء الأهلي من قبل بعض مؤسسات وأجهزة الدولة، خاصة وإن التحول نحو الديمقراطية لن يتم إلا من خلال المشاركة النشطة لمؤسسات المجتمع المدني.
وقد دعونا مراراً، وسنظل ندعو ونعمل في سبيل ترشيد الأداء السياسي من قبل بعض القوى والفعاليات السياسية الناشطة، بالنأي عن الصدامات غير المبررة مع الدولة، وتوتير الأوضاع دونما مبررات، لكن، بالمقابل، لا يمكن تبرير الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن في حالات كثيرة.
وإذا كنا مع إعمال القانون واحترامه والتقيد به ونحن نطالب بقيام دولة المؤسسات والقانون، فإننا نرى أيضاً ضرورة النأي عن كل ما من شأنه خلق احتقانات جديدة في المجتمع.
إن بناء جسور الثقة بين الدولة والمجتمع تتطلب أمراً أخرى، بينها محاربة آفة الفساد المستشرية في الأجهزة الحكومية، وعلى الرغم من أهمية تقارير الرقابة المالية التي صدرت حتى الآن، وستصدر في المستقبل، وضرورة استخدامها كأدوات في محاربة الفساد، فإن أخشى ما نخشاه أن يتحول صدور هذه التقارير إلى مسكنٍ أو مهدئ.
المسكنات والمهدئات لا تعالج مرضاً أو آفة، خاصة إذا كانت بحجم الفساد المستشري. المطلوب تدابير حازمة، رادعة في التصدي له وللمتورطين فيه. فالفساد ليس أمراً هلامياً، وإنما هو عبارة عن ممارسات خارجة عن القانون ومنتهكة لحرمة المال العام، والمتورطون فيه هم أشخاص متنفذون ولهم أسماء، والمطلوب تسمية هذه الأسماء.
وفي نطاق ممارسات الفساد يجب أن تحتل مكانة كبرى مسألة الاستحواذ على الأراضي العامة ودفن مساحات شاسعة من البحر على نفقة الدولة، ومن ثم تحويلها إلى ملكيات خاصة.
وهناك قضايا أخرى تتصل بالأداء الإداري للحكومة، المطالبة منذ فترة طويلة بالارتقاء إلى مهام الإصلاح وتبعاته، فلا إصلاح بدون إصلاحيين في مواقع القرار والإدارة وفي الوزارات المختلفة من الغيورين على حرمة المال العام وعلى المصالح العليا للوطن، والذي يدركون أن الثروة حق لأبناء هذا الوطن جميعاً، وإن للأجيال القادمة حق في هذه الثروة مثلما هي حق لأبناء اليوم.