من الواضح انه في السنوات الأربع الماضية لتطبيق إصلاح سوق العمل كان هناك اثر طيب للنتائج التي تحققت وإن كانت متواضعة, فهي بداية لمشروع هام جداً وخاصة فيما يتعلق بالتدريب والتأهيل والتوظيف الذي كان مرضياً من وجهة نظر هيئة تنظيم سوق العمل ولا سيما في الربع الأخير من السنة الماضية.
ومع ذلك لا يزال المشروع في حاجة لمراجعة متأنية للوقوف على كل المعوقات والإشكاليات التي تقف عائقاً أمامه. الرئيس التنفيذي للهيئة علي رضي يحذرنا من المساس بالرسوم التي تستقطعها الهيئة من أصحاب الأعمال؛ لأنه يشكل خطورة على المشروع, وخاصة ان هذه الرسوم وضعت من اجل ردم الفجوة بين تكلفة العامل الأجنبي من جهة والعامل البحريني من جهة أخرى, ويضيف قائلاً: ان هذه الرسوم التي تشكل 80٪ من ايرادات الهيئة يستفاد منها للتدريب والتأهيل.
وكما قلنا هناك تحديات تواجه إصلاح سوق العمل في مقدمتها أولئك الذين لا مصلحة لهم في استمرار عملية الإصلاح, نظراً لخوفهم الشديد على مصالحهم التي قد تتضرر من وراء هذه العملية, ونعتقد ان التحدي الآخر هو ما يجري اليوم من استياء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الرسوم الشهرية التي تبلغ عشرة دنانير عن كل وافد وبالتالي هل تستمر الهيئة في فرض هذه الرسوم؟
نتفق تماماً مع ما قاله «رضي» ان إصلاح سوق العمل ليست فقط رسوم تصاريح عمل وإجراءات انتقال العمالة الوافدة او جهود توظيف وتدريب وأجور لائقة وعلاقات عمالية سليمة وحوار اجتماعي فعَّال, بل هي تشمل كل ذلك معاً في ترابط يحتم توزيع الأدوار بين المؤسسات المعنية, ومنها هيئة تنظيم سوق العمل ومع ذلك شكاوى تلك المؤسسات التي تعيش أوضاعا متردية على صعيد «البزنس» ينبغي الالتفات إليها بإجراءات منصفة مرنة, والالتفات إلى مبرراتها التي هي محقة فيها عندما تطالب بإلغاء الرسوم وتطالب أيضا ترحيل العمالة السائبة, والقضاء على ظاهرة هروب العمالة الوافدة التي تتعرض الى أبشع استغلال من قبل تجار «الفيزا» وزيادة على ذلك تطالب بالقضاء على ظاهرة تأجير السجلات للأجانب وتمديد فترة تجديد انتهاء الإقامة إلى أكثر من ثلاثة أشهر.
اذن بالرغم من اهمية الرسوم التي تؤكد الهيئة على تحصيلها لأن عدم الالتزام بها يؤدي وفي جميع الاحوال الى ارتفاع حجم سوق العمالة غير القانونية, إلا ان مع كل هذه الظواهر السلبية التي تشهدها السوق لا بد من حلول وتدابير عملية للقضاء عليها, والامر الآخر كيف تتساوى المؤسسات الصغيرة من حيث الرسوم بالمؤسسات الكبيرة التي تحظى بنصيب الاسد من المشروعات؟ وابلغ مثال على ذلك ما قاله صاحب ورشة نجارة صغيرة في إحدى الصحف المحلية: أقوم بتصميم غرف نوم بأسعار تناسب ذوي الدخل المحدود, الآن لم يعد أمامي سوى خيارين اما الإبقاء على الأسعار كما هي وهو ما يعني التسبب في ضرر مادي كبير او رفع الأسعار وهو ما يعني انني سأفقد القدرة على المنافسة في السوق التي سيطر عليها الكبار الذين لم يتضرروا بمثل ما تضررنا نحن ولن يضطروا لرفع أسعارهم وبالتالي فإن مصيرنا الإفلاس.
على اية حال, هذه الحالة ليست إلا نموذجا لما تعانيه المؤسسات الصغيرة وبالتالي ما ينبغي الاعتراف به في هذا المقام هو انه بالرغم من أهمية إصلاح سوق العمل فإن مراجعة الرسوم التي تستوجب دفعها المؤسسات الصغيرة مطلب ملح, والمطلب الآخر حاجة سوق العمل الى الاستقرار وهذا يأتي ليس بالقضاء على المنافسة التي من دون ضوابط فقط وإنما أيضا بمعالجة كافة الظواهر السلبية التي تحتاج الى تضافر الجهود.
الأيام 28 مارس 2009