الاستفتاء الذي أجرته جريدة “أخبار الخليج” المنشور على الصفحة الأولى من الجريدة بتاريخ 28 فبراير 2009م والمعنون بـ “الخطاب الديني متهم بتأجيج الطائفية في البحرين” قد وضع النقاط فوق الحروف.. لكونه قد كشف عن طائفية الكثير من قوى تيار الإسلام السياسي، بقدر ما أماط اللثام عن أفكار إسلامية سعى أصحابها الى سكب الزيت على نار الطائفية والمذهبية.. ولعل تأكيد النسبة المئوية الكبيرة التي مقدارها 86% لـ (6225) من قراء “أخبار الخليج” بقولهم “ان الخطاب الديني بات متهما بتأجيج الطائفية وتكريس الخلاف في المجتمع البحريني”..
هو إعلان المواطنين البت عن مواقفهم الحازمة والحاسمة إزاء أجندة الخطاب الديني لقوى تيار الإسلام السياسي.. بل إعلانهم استياءهم ما يدور من على منابر المساجد والمآتم من خطب حملت أحشاؤها وماهيتها الاصطفافات الطائفية المقيتة نفسها وأمراض الانقسامات المذهبية الموبوءة.
بادئ ذي بدء نفخر بالقول ان نتيجة الاستفتاء التي خرجت بها “أخبار الخليج” بحقائق واضحة الجلاء، جاءت امتدادا لدعوات “هيئة الاتحاد الوطني” و”جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي” و”مؤتمر الحوار الوطني الثاني” و”جمعية العمل الوطني “وعد”، هذه الدعوات جميعها حملت في جوهرها أسمى مبادئ الوحدة الوطنية بترسيخها وتمتينها وصونها والذود عنها، مثلما كافحت النعرات الطائفية والمذهبية.. بل ان هذه قد حفزت ذاكرة المواطنين جميعا إلى الوراء، ما قبل أكثر من سنتين، حينما نشرت جريدة “أخبار الخليج” بتاريخ 12 نوفمبر 2006م خبرا إزاء ما يتعلق بممارسات قوى تيار الاسلام السياسي الملتوية قائلة “ان مؤسسة دينية كبيرة تمارس شتى أنواع الضغوط على بعض المرشحين المستقلين لحملهم على الانسحاب لصالح المرشحين الذين تدعمهم هذه المؤسسة الدينية”.
وبقدر انبعاث الرائحة الطائفية المقيتة من تلك الممارسات الاسلامية وامتعاض الجهات الشعبية ممثلة في مؤسسات المجتمع المدني، الأساليب الغريبة التي تتبناها هذه الجماعات الاسلامية.. فان الجهات الرسمية ممثلة في وزارة العدل والشئون الإسلامية قد أعلنت آنذاك استياءها ايضا بعد ان نفد منها الصبر وطفح بها الكيل لما تقوم به قوى تيار الاسلام السياسي من انتهاكات للدستور وخروق للميثاق الوطني.
جاء ذلك الاستياء على لسان وكيل وزارة العدل قائلا للصحافة المحلية “علماء أبدوا استياءهم من احتكار جماعات سياسية للمنابر وان السنوات الأخيرة التي تزامنت مع حركة الانفتاح شهدت إغراقا وتوسعا في الأطروحات السياسية واستغلالا واضحا لدور العبادة في هذا الشأن”.
ويبقى القول صحيحا انه بقدر ما اعلن الرأيان الشعبي والرسمي بالأمس احتجاجهما واستياءهما من مخالفات وانتهاكات الجماعات الاسلامية على مدار العشرة الأعوام الماضية.. فان تلك الخروق ذاتها التي تمارسها هذه الجماعات قد ازدادت اليوم حدة وتجاوزا مخالفين بذلك المادة الـ (31) من قانون وزارة العدل والشئون الاسلامية التي “تحذر الأئمة والخطباء بإنزال عقوبات واتخاذ إجراءات قانونية بحق المخالفين لهذه المادة”.
ويكفي استدلالا بهذا الإطار أن ثمة الكثير من الجماعات الاسلامية ممن اعتلى منها منابر دور العبادة، قد سعوا إلى الطعن في الطوائف الأخرى بأبشع الهجوم السافر، وبالعديد من الاتهامات الباطلة وبكيل أسوأ كلمات الشتائم وتوجيه أقبح الأوصاف، ناهيك عن استغلال هذه الجماعات الاسلامية منابر المساجد من اجل الترويج للمصالح السياسية والدعاية الانتخابية، والاهم من ذلك كله انتهازية هذه الجماعات بشنها حملاتها الشعواء ضد القوى الوطنية والتقدمية المترشحة للانتخابات البرلمانية والبلدية، او من اختلف معها في الفكر والرأي وذلك بأساليب التكفير والتجريح والتجييش والتحشيد.
من هذا المنطلق فقد استوجب تفعيل قوانين وزارة العدل والشئون الاسلامية بصرامة.. وتفعيل قرارات ادارة الأوقاف السنية بجدية بحيث من الضرورة بمكان مكافحة الخطب والتصريحات الطائفية والمذهبية.. وضع حد لكل من تسول له نفسه من الطائفيين والمذهبيين والانقساميين والانشقاقيين الذين يسعون الى بث الفتنة الطائفية.. واذكاء نار المذهبية والفئوية سواء من قوى تيار الاسلام السياسي المتشدد، او غيرها من اعداء الشعب والوطن والديمقراطية والحداثة والتحديث والمرأة.. وذلك من اجل الحفاظ على مبادئ الوحدة الوطنية بوحدة الشعب، وتماسك نسيج المجتمع وتجسيد اللحمة الوطنية، بقدر الذود عن حياض الوطن وصون ركائزه وأركانه وسيادته.
أخبار الخليج 27 مارس 2009