الذين تابعوا بدقة مجريات المشهد السياسي في الكويت والتي توجت بحل مجلس الأمة, وهو لم يقضِ من عمره سنة واحدة, يدركون بسهولة اذا أمعنوا في مبررات الحل وردود الفعل, أن ثمة ما هو جدير بالنسبة لنا هنا في البحرين أن نجعله موضع تأمل ومراجعة.
بالنسبة لمبررات الحل سواء التي عرضها سمو أمير دولة الكويت, أو تلك التي تم تداولها من قبل قوى سياسية كويتية عديدة, هذه المبررات تستوقفنا:
– ممارسات النواب تجاوزت كل الحدود وأضحت سبيلاً إلى الاستفزاز وسبباً في إذكاء الفتنة.
– خلل متفاقم شاب العمل البرلماني وانتهك الدستور والقانون, وتجاوز حدود السلطات.
– تبارى النواب في مماحكات وممارسات محمومة هددت الوطن والشعب.
– ممارسات برلمانية مؤسفة شوهت معاني الحرية والديمقراطية وأفسدت التعاون المأمول بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
– تدني لغة الحوار بين النواب وأعضاء السلطة التنفيذية على نحو غير مسبوق.
– خلق المجلس أجواء من التوتر والتناحر والفوضى والمزايدات التي صبر عليها المواطنون طويلاً.
– مارس تعسفاً وتشكيكاً وتصعيداً وقدحاً بذمم الناس واخلاقهم.
– استخدام الاستجوابات والتهديد بتقديمها خروجاً عن مقاصد الدستور.
– لم يحقق إنجازاً في ظل أجواء مشحونة بالشد والتوتر والتعسف والتشكيك والترهيب عطلت مشاريع تنموية كبرى.
– تحويل قبة البرلمان إلى ساحة للجدل العقيم والخلافات وافتعال الأزمات.
تلك هي المبررات, أما ردود الفعل فإن أهم ما يلفت النظر فيها هو شبه الإجماع في الرأي على تأييد حل البرلمان, بل ان تاريخ الكويت السياسي الحديث وفقاً لآراء كتاب وسياسيين كثر لم يشهد إجماعاً في الرأي كهذا الذي حدث, والذي أجمع على سوء أداء وممارسات أعضاء مجلس الأمة الكويتي المنحل, والاتفاق على أنه ذهب غير مأسوف عليه, بل واللافت أن حل المجلس كان محل رضى حتى من بعض أعضاء المجلس أنفسهم من زاوية أنهم «كانوا يشعرون بأن ممارسات البعض قد تعدت اطارها المقبول لتدخل في مماحكات وممارسات محمومة أثارت صواعق سياسية وطائفية هددت سلامة الوطن واستقراره ووحدة أبنائه, وعرضوا شعباً بأكمله للخطر الذي ليس وراءه خطر».
تلك خلاصة المبررات وخلاصة ردود الأفعال وعلينا أمام هذه الخلاصات أن نتوقف هنيئة وأن نبحث بشيء من سعة الأفق في القاسم المشترك بين هذا الذي حدث في الكويت وما يحدث هنا في البحرين على صعيد الممارسة النيابية, ومع التسليم بأهمية ذلك فإن المقاربات والمقارنات والتقييمات والتأملات والمنزلقات والخيبات والانتكاسات التي يمكن الاستفاضة فيها من جميع النواحي, تضعنا أمام مشهد مماثل في تجربتنا البرلمانية, بمعنى أن الحيثيات التي طرحت هناك في الكويت والتي أدت إلى ما أدت هي ذاتها التي أثيرت ولا تزال تثار حول أداء وممارسات ومواقف الغالبية العظمى من أعضاء مجلسنا النيابي الذين يمارسون كل ما يؤدي إلى تردي العمل السياسي وخلقوا حالة فيها من عوامل التوجس والقلق والتجاذبات والخصومات والنزاعات ما لا يمكن أن يخفى على أحد, وهي حالة المؤسف فيها أنها أدت الى تبني كثير من المواطنين إلى ذات القناعات التي تبلورت في الكويت حيال أداء المجلس النيابي, وما تلك النعرات الطائفية والمذهبية واللعب على أوتار الانقسامات والحساسيات الطائفية والمذهبية في كل شأن من شؤون الوطن والعباد, وجعل كل قضية ومشكلة عرضة لمنطق تلك الحسابات والاعتبارات وإخضاعها للتجاذبات والخصومات والنزاعات إلا إفراز لواقع حال مجلسنا النيابي, وكم كنا نتمنى أن يشعر كل نائب بأنه مؤتمن على كل الوطن بكل طوائفه, وليس على طائفة أو مذهب, أو قبيلة أو منطقة من دون سواها, وربما هي مملة جردة الأمثلة التي يمكن إيرادها في هذا الخصوص, ولعله من المفيد كعينة.. مجرد عينة أن نذكر بما يستحق الإشارة إليه والتنويه به ومنها طأفنة استجوابات بعض الوزراء, والاصطفافات الطائفية الراهنة حول ما بات يعرف بحمى طلبات رفع حصانات بعض النواب والتي نرى بأنها أدت إلى حرب فريدة في نوعها وفي دوافعها, هي معلومة للجميع ولا ننسى المشروعات الإسكانية التي يصر بعض النواب إقحامها في دهاليز الطائفية والمذهبية والمناطقية, حتى مشروع المنازل الآيلة للسقوط لم يسلم من المحاولة, تلك مجرد عينة, واذا كانت النتيجة في الكويت أدت إلى ما أدت إليه, فإن ذلك لا يجب أن يغيب عن أذهان نوابنا لعلهم يستوعبون الدرس الكويتي الذي يوصف بأنه يقدم نموذجاً حكيماً في ادارة الأزمات.. لعل ذلك يجعل نوابنا أحرص على عدم نقل عدوى نتيجة أزمة التجربة الكويتية للبحرين.
الأيام 27 مارس 2009