هناك إستراتيجية وطنية للشباب, وُضعت بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة, عمل عليها وخلال شهور طويلة فريق من أبناء وبنات هذا الوطن, كان لي الشرف أن أكون أحدهم, في الشق المتصل بالشأن الثقافي. لكننا لا نعرف شيئاً عن مآل هذه الإستراتيجية, ومَن هي الجهة أو الجهات التي عهد إليها بتفعيلها, وما الخطوات التي نفذت من هذه الإستراتيجية, وتلك التي لم تنفذ. هناك مشروع آخر مهم هو برلمان الشباب, كان بوسعه أن يكون أحد وسائل تطبيق الإستراتيجية, وضربت مواعيد لانتخابات هذا البرلمان, تم تأجيلها مراراً, قبل أن يجري السكوت نهائياً عن المشروع. هذان مثلان ساطعان على ما تؤول إليه كثير من الأمور في بلادنا, خاصةً منها تلك القضايا التي يمكن أن نصفها بأنها إستراتيجية, لها من المفاعيل المنتظرة ما يعول عليه. في حوار مع صحافية شابة في إحدى جرائدنا المحلية, قلت لها، في معرض حديث عن ظاهرة العنف في الشارع, أن على الدولة أن تنهض بمسؤوليتها في احتواء البيئة الاجتماعية المُولدة لهذا العنف, لأن التدابير الأمنية والقضائية وحدها لن تعطي النتائج المرجوة. وفي مزيد من الشرح قلت أن الأمر يتطلب إستراتيجية شاملة بأبعاد اجتماعية وثقافية وتنموية للنهوض بأوضاع المناطق الفقيرة والبائسة, وتوجيه طاقات الشباب في مجرى آمن ومتحضر, يُنمي ما لديهم من مواهب وقدرات ويكسبهم مهارات جديدة. والتجربة في العالم كله, لا في البحرين وحدها, تؤكد أنه كلما ازداد التهميش الاجتماعي وكبر عدد المُهمشين كلما ازدادت تربة توليد العنف خصوبة. كثيرة هي المرات التي كتبنا فيها أنا وسواي عن ضرورة تشييد مراكز ثقافية في القرى والأحياء تكون تحت مظلة وزارة الثقافة أو وزارة التربية أو أي جهاز حكومي آخر, ترصد لها الميزانية الكافية لتوفير الأجهزة والكتب والآلات والمرافق, والعدد الكافي من المُدربين والمنشطين الثقافيين, يكون هدفها التأهيل الثقافي والتربوي للفتيان والفتيات, وتنمية المواهب الموسيقية والتشكيلية والمسرحية وسواها لديهم. مثل هذه الدعوات لا تجد لها الآذان الصاغية للأسف من أحد, ولا يجري الاستفادة من تجارب بلدان متقدمة في هذا المجال, لا بل من تجارب بلدان عربية شقيقة بينها تجربة تونس على سبيل المثال, التي عممت مثل هذه المراكز في مختلف مناطق البلاد, بل أن هناك معهدا عاليا يمنح شهادة البكالوريوس لإعداد المنشطين الثقافيين الذين يتولون إدارة مثل هذه المراكز. واذكر أن إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة تعاقدت مع بعض هؤلاء المنشطين التونسيين الذين أثروا تجارب المركز الثقافية للناشئة, وأعرف أن بعض الفتيان الموهوبين الذين تلقوا تدريباً في هذه المراكز غدوا اليوم مواهب في عدة مجالات في الحياة. ما يقال عن المراكز الثقافية ليس سوى مثال بسيط عن الحاجة لاستراتيجيات بعيدة المدى ومستدامة لاحتضان طاقات الجيل الجديد إذا أردنا لهذا الوطن مستقبلاً أفضل, وتجنبيه المخاطر والهزات والاحتقانات على أنواعها.
صحيفة الايام
25 مارس 2009