لفت نظري قبل أسابيع مضت خبر لو قاله صاحب متجر لرئيس دولة عربية لتعرض إلى محاكمة أو مهانة لا يمكننا تصورها, وعلى اقل تقدير أوحى الرئيس العربي المتقاعد لرجال الأمن الذين في حراسته بضربه ضربا مبرحا لكي يتأدب ولا يقل أدبه مرة أخرى. نعم هكذا سيفهم الرئيس الراحل والمتقاعد العرض المهني, وأخيرا بعد الضرب المبرح سينهي انفعاله بكلمة أخيرة قبل أن يخرج من المحل: «لازم تعرف حدودك وتعرف تكلم من« بهذه النهاية الأليمة والمهينة سيتلقى صاحب المحل المسكين حظه العاثر, فبدلا من أن يرد عليه بكل لطف على عرضه ويخرج بدون ضجيج, كانت اللكمات درسا في حياته لرئيس عربي, قرأ العرض بثقافة ناقصة. ولكي نفهم ما الذي علينا فعله بعد عقود مع أنفسنا قبل أن نكتشف أن ذلك الكلام وطبيعته لن يقبل به حتى اقل من الوزير, فمهنة من هذا النمط تشكل عرضا سيئا, إذ يرى بعض الناس بثقافتهم الشرقية أن تلك المهن لا يجوز امتهانها ابدا, فما بالنا ونحن كنا ذات يوم في موقع رفيع كالرجل الأول في البلاد أو بما هو اقل كمن هم في بطانة الرئيس الأسبق. ففي دالاس ولاية تكساس عرض صاحب المحل على الرئيس جورج دبليو بوش وظيفة في مكتب الاستقبال, وشرح له سبب الاختيار لشخصيته المناسبة بعد أن تجول الرئيس في أقسام المحل لشراء حاجياته, والأكثر من ذلك عرض عليه عدة امتيازات كالتخفيضات لكل مشترياته من المتجر, ومكان خاص لسياراته ووقت مريح لكي يتفرغ للكتابة عن المدة التي قضاها في إدارة البلاد في مكتبته الرئاسية. والظريف انه ذكر له في رسالة عرض الوظيفة عليه, أن ضغط العمل في المتجر سيكون بالتأكيد اقل مما كان عليه أثناء عمله في البيت الأبيض, غير إن الاختيار الحقيقي للرئيس لشغل هذه الوظيفة هي خبرته الطويلة في تعامله مع الأجانب, ولم يحتج الرئيس كون تلك الرسالة التي بعثت له تم نشرها في إحدى صحف دالاس. أليس حريا بنا أن نتعلم من تلك الثقافة والحضارة الحق الحقيقي للتعبير والاحترام المتبادل, ونفهم معنى تلك الثقافة بدون أن نتلبس بمعنى الكرامة ونتوه في متاهات التعبيرات الضيقة لمفردة المهانة, لسنا بحاجة للعودة لزمن داحس والغبراء ولا إلى كلثوم وهند عندما قالت لها ناوليني..!! فردت عليها لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها, فشب قتال عريض وطويل كلف القبيلتين عشرات الموتى, لمجرد أن كرامة أم أسياد إحدى القبيلتين تم اهانتها. بإمكاننا فهم العقلية القديمة, ولكن كيف نفهم عقل وثقافة هذا العصر حين يرى كل فرد وزعيم وشخصية بأنه تمت اهانته على صغيرة وكبيرة. لن نحصي القصص ولا عناوينها, بل نحن بحاجة أن نعرف أن الرئيس السابق كان ابن أثرياء, وبعد تركه البيت الأبيض سينال راتبا تقاعديا أسطوريا لا يحلم به الكثيرون, إذ يقدر شهريا بما يقارب 16,700 الف دولار شهريا وسيزيد سنويا حسب مكتب تحصيل الضرائب, وما إن يبلغ الرئيس من العمر الثالثة والثمانين فان مستحقات التقاعد ستكون خمسة ملايين دولار , هذا إلى جانب المستحقات الإضافية المدفوعة كمكتب لإعماله بموظفين وتكاليف السفر وامتيازات المراسلات البريدية. دون شك كان صاحب المتجر يدرك راتب الرئيس بوش التقاعدي ولا يمكنه أن يمنحه راتبا شهريا بهذا الحجم, ولكنه بالإمكان التفاوض معه بعد قبوله العرض على طبيعة راتبه وساعات العمل. لم تجعلنا تلك الرسالة المنشورة, أن نرى كلا الأمرين, رد الرئيس المهم وطبيعة تفاصيل ساعات العمل وحجم الراتب. المهم أننا اهتممنا بالحكاية إذ ما يحدث للرؤساء في الغرب والولايات المتحدة, بل وفي دول آسيوية من قصص مثيرة ومتواضعة, لا يمكننا سماعها في بلداننا العربية, حيث ينسى المجتمع الوزراء ومناصبهم وأسماءهم, غير انه لا ينسى قصص الفساد التي ختمت على جباههم.
صحيفة الايام
24 مارس 2009