في أواسط شهر مارس الجاري، وعلى إثر نشر مجلة “فوربس” قائمة ملياردرية العالم لعام 2009، انشغل المراقبون والمحللون السياسيون والاقتصاديون عربا وأجانب بالتغير الكبير الذي طرأ على تلك القائمة، سواء من حيث ترتيبهم في القائمة، تبعا لاحجام الثروات أم من حيث ما طرأ من تغيرات في أحجام تلك الثروات، أم من حيث تدني أعداد المليارديرية انفسهم مقارنة بقائمة العام الماضي 2008، وكان محور اهتمام المراقبين قد انصب على تأثير الازمة الاقتصادية العالمية التي بلغت ذروتها في خريف العام الماضي على معطيات تلك القائمة، فحجم الثروة الكلية لهم انخفض الى النصف تقريبا (من 4،4 تريليونات دولار الى 2،2 تريليون دولار) وعدد المليارديرية انخفض من 1125 مليارديرا الى 793 مليارديرا.
لكن ما يثير الاستغراب حقا ان المراقبين والمحللين الاقتصاديين والسياسيين في العالم، وعلى الاخص العرب منهم، ومعهم كل المهتمين والمهمومين بقضايا البيئة، لا أحد منهم توقف امام مغزى ودلالات قائمة اخرى صدرت في اوائل نفس الشهر الجاري اعدتها صحيفة الـ “صنداي تايمز” تحت عنوان “الاثرياء الخضر” والتي يعدها الدكتور بريسفورد، وهذه القائمة تخص اكثر اثرياء العالم المائة اهتماما ومحافظة على البيئة في استثماراتهم التي ربحوا من خلالها تلك المليارات او عشرات الملايين من الدولارات وذلك من خلال اقدامهم على استثمارات جدية في التكنولوجيا الخضراء او التعهد الصادق بدفع التزامات لقضايا البيئة والاستثمار في القطاعات الخضراء الاخرى المختلفة مثل الطاقة البديلة والنظيفة التي تشمل السيارات الكهربائية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وكيف انهم اوفوا بالتزاماتهم وتعهداتهم بمراعاة شروط المحافظة على البيئة في اعمالهم الاستثمارية حتى بالرغم من تأثر ثرواتهم بالأزمة الاقتصادية التي تأثرت كما ذكرنا احجام ثرواتهم بها.
وبصرف النظر عن مدى دقة وصحة التزام المائة ثري في العالم الذين ظهروا في تلك القائمة بشروط ومعايير البيئة، اذ في اعتقادنا لا يوجد ملياردير او مليونير في العالم لم تقترف يداه جريمة او انتهاكا بحق البيئة بهذا القدر وبدرجات وأشكال متفاوتة، الا ان ما يعد فضيحة مدوية عالمية، بامتياز وبجلاجل، ان قائمة “أثرياء العالم الخضر” لم تتضمن ولو اسما عربيا واحدا يتيما في عدادها، في حين كان للولايات المتحدة حصة الاسد في عدد الاثرياء الخضر يتصدرهم المستثمر وارن بافيت (37 مليار دولار حجم ثروته) ومؤسس “ميكروسوفت” بيل جيتس (36 مليار. دولار حجم ثروته) وكانا قد ظهرا في صورة صحفية جميلة بتلك المناسبة ويرتدي كل منهما قميصا وبنطالا خضراوين بأشكال مختلفة.
واذا كان عدد كبير من اسماء القائمة ينتمون الى دول غربية ديمقراطية فانه حتى الصين المصنفة سياسيا من الانظمة الشمولية حصدت 17 اسما ثريا صينيا بادراجهم ضمن قائمة “الأثرياء الخضر” باعتبارهم مهتمين بالاستثمار في قطاعات التكنولوجيا الخضراء الضخمة متفوقين بذلك على بريطانيا التي لم يظهر منها سوى عشرة اثرياء خضر، والمانيا التي لم تحصد سوى سبعة مراكز.
مهما يكن فإن السؤال المهم الجدير بالطرح: لماذا لم يظهر ولو ثري عربي واحد في القائمة الخضراء رغم ان اجمالي عددهم في قائمة مليارديرية العالم كبير او لا بأس به، لا بل إن عددا منهم يأتي ضمن العشرين الاوائل في هذه القائمة؟
في الاجابة عن هذا السؤال تحديدا يكمن مربط الفرس في فهم الفرق بين طرق واساليب الاستثمار الكبير التي يتبعها القطاع الاعظم من الطبقة الرأسمالية العربية وطرق واساليب الاستثمار التي تتبعها الرأسمالية العالمية، وعلى الأخص في البلدان الغربية الصناعية ذات التقاليد الديمقراطية العريقة.. فبينما الغالبية العظمى من شرائح الرأسمالية العربية وعلى الاخص العاملة في قطاع الخدمات كالسياحة والعقارات وحتى الرأسمالية التجارية والصناعية لا تضرب بشروط وقوانين البيئة في بلدانها عرض الحائط فحسب، بل هي متورطة في جرائم بيئية لا تحصى ولاسيما في البلدان الخليجية وبحماية السلطة التنفيذية وقوتها البوليسية في كثير من الاحيان، مستفيدة هذه الأخيرة بغياب رقابة فاعلة للسلطات التشريعية والقضائية والصحفية وغياب سلطة القانون بما في ذلك غياب مساواته على الجميع ان وجدت مستويات او اشكال من تلك السلطة، فان الطبقة الرأسمالية في البلدان الغربية الصناعية الديمقراطية، حتى بالرغم من انتهاكاتها بحق البيئة داخل بلدانها، وخارجها على وجه الخصوص، فإن ايديها غير مطلقة في جميع الاحوال بلا قيود وذلك في ظل وجود فصل حقيقي للسلطات الثلاث بما في ذلك سلطتان تشريعية وقضائية قويتان ومستقلتان وصحافة مستقلة ومؤثرة في الرأي العام واحزاب ومنظمات خضر فاعلة، والأنكى من ذلك ان كل المستثمرين الكبار في الطبقة الرأسمالية العربية والذين يتصدر عدد منهم قائمة اثرياء العالم لعبوا ومازالوا يلعبون دورا تخريبيا ومدمرا في القضاء على البيئة لشفط ما يمكن شفطه من ارباح خيالية لعلها ترضي نهمهم المالي الذي لا يعرف حدودا للرضا.
ولذلك لا غرابة اذا ما اطلق بعض الاقتصاديين العرب على شريحة كبيرة منها “الرأسمالية الطفيلية” أو “الرأسمالية المتوحشة”.
صحيفة اخبار الخليج
23 مارس 2009