سيتحول الصمت إزاء العنف الذي يمارس في الشارع, لا بل انه تحول بالفعل, إلى تبرير له, وربما مساهمة في تقديم الغطاء لأصحابه. وباتت مسؤولية وطنية كبرى على عاتق الجمعيات السياسية ورجال الدين والفعاليات الاجتماعية والشخصيات المستقلة وكتاب الرأي التبصير بالعواقب الوخيمة لممارسات العنف التي كان من نتائجها المؤلمة وفاة عامل باكستاني بريء, لا حول له ولا قوة, ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالتجاذبات الجارية في بلادنا. عارضنا وسنعارض كلما نعتقد انه سياسات خاطئة من قبل الدولة, ولكننا, وبمقدار لا يقل لن نسكت عن الممارسات العنيفة التي يقدم عليها البعض في الشارع, التي باتت عبئا على المواطنين في المناطق التي تشهد هذا الصنف من الممارسات العنيفة, حيث أدى حرق مولدات الكهرباء, وهي ضمن الممتلكات العامة التي تديرها الدولة لتقدم الخدمات الضرورية للمواطنين إلى أن الشوارع الرئيسة باتت تغرق في الظلام, وباتت مداخل القرى والبلدات محاطة بمظاهر أمنية تبعث على الضيق والقلق. هذا النوع من الممارسات لن يحقق هدفاً مشروعاً, ولن يؤدي إلى تحسين مواقع المعارضة في المعادلة السياسية في البلد, بل على العكس من ذلك سيضعف هذه المواقع, وسيعطي بعض الأجهزة المبررات الكافية للمزيد من تغليظ التشريعات المقيدة للحريات, وسيعيق الجهود الدؤوبة التي تبذلها القوى السياسية من أجل تعزيز المكتسب من الحريات وتطويرها, وهو مكتسب أحرزناه بشق الأنفس وفي نتيجة نضال طويل لأجيال من المناضلين البحرينيين, الذين قدموا تضحيات غالية وهم يؤسسون لتقاليد النضال السلمي الديمقراطي, وبناء مؤسسات المجتمع المدني الحديث من تنظيمات ونقابات وهيئات للشباب والطلبة والنساء والمثقفين. وهذه التقاليد هي التي رفعت البحرين إلى مستويات الوعي السياسي والاجتماعي الذي يتميز به شعبنا اليوم, والذي به تباهينا ونتباهى أمام محيطنا الخليجي والعربي, وقد تحقق ذلك دون حرق الإطارات أو رمي قنابل المولوتوف على العمال الأجانب وتهديد حياتهم أو الإضرار بهم. وإذا كانت الحركة الوطنية البحرينية قد توخت في مراحل من تاريخها بعض أشكال النضال العنيف, كما كان عليه الحال في انتفاضة مارس 1965, فعلينا التبصر في حقيقة أن هذه الأشكال مورست ضد المستعمرين الانجليز وعملائهم, يوم كانت البحرين تحت الحماية البريطانية. لقد تغيرت الظروف كثيرا في البلاد, ولا يمكن القياس على تلك المرحلة, فظروف اليوم تتطلب وجود معارضة منظمة وواعية, تعتمد البرامج السياسية والاجتماعية المقنعة القادرة على توليد الإجماع الوطني حولها, وتفعيل الأدوات الشرعية للعمل السياسي والمدني الرامي لتحسين أوضاع الشعب المعيشية وتطوير الحقوق السياسية وتوسيع نطاقها, وتسييد الخطاب الوطني الجامع, بديلاً للخطابات الطائفية والفئوية التي تخلق البيئة المُولدة للعنف والاحتجاج الأعمى الذي لا يتوخى هدفاً واضحاً, ولا يؤدي إلا إلى المزيد من التأزيم السياسي والأمني. هناك حُزم من القضايا والمشاكل وأوجه المعاناة التي على قوى المعارضة التصدي لها بعزيمة وإصرار ومثابرة, لكن علينا الإقرار بأن مظاهر العنف التي نراها تُلحق أشد الأضرار بهذه القضايا, وتُصَعب من عمل القوى السياسية وتزيده تعقيداً, وتحرف العمل الوطني عن جادة الصواب.
صحيفة الايام
23 مارس 2009