المنشور

لماذا يغيب الجانب الرسمي؟

مرة تلو أخرى نعاود طرح ذات السؤال, علنا نحظى يوما بإجابة شافية من قبل من يعنيهم سؤالنا هذا لدى الجهات الرسمية, فمن خلال الحوارات والنقاشات التي دارت مؤخرا وفي أكثر من ورشة عمل وندوة ومؤتمر, ربما كان آخرها ندوة مناقشة توصيات نادي مدريد بالمنبر التقدمي, ومؤتمر المواطنة وتكافؤ الفرص الذي نظمته الجمعيات السياسية الست, والذي بعد الانتهاء من عرض أوراق العمل المعروضة عليه, كان واضحا التساؤل والاهتمام الذي أبداه الجميع تقريبا عن سبب غياب الجانب الرسمي عن مداولاته, حيث طالب المؤتمر بضرورة الإسراع في وضع حلول يتشارك فيها الجميع من مؤسسات مجتمع مدني وجمعيات سياسية ومهتمين إلى جانب اللاعب الرئيسي في هذه القضية بالذات ألا وهو الحكومة. فمن خلال الكلمات التي أُلقيت سواء تلك التي كانت باسم الجمعيات السياسية أو حتى مداخلات بعض الشخصيات الوطنية التي حضرت ذلك المؤتمر الهام, وقبلها أوراق العمل التي أفصحت بجلاء عن حجم الضغط الذي تمثله تلك القضية بكامل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية, ليس فقط على الحكومة فحسب بل على الدولة ككيان وعلى المجتمع بمختلف شرائحه, ووجدنا ذلك واضحا أيضا من خلال طبيعة الأوراق التي تناولت المسألة برمتها ومن مختلف زواياها وعلاقة كل ذلك بالتشريعات المعمول بها وعلى رأسها الدستور, وعلاقة ذلك بالتشريعات والمواثيق الدولية التي تجاهد الحكومة لمسايرتها , حتى تضمن أن لا يشوه ما أنجزناه معا, قوى مجتمعية وقيادة سياسية أيضا, من تقدم نسبي خلال السنوات الثمان الماضية, والذي أضحى استمراره ضرورة لإدارة الجهات الرسمية والمدنية المعنية لمثل تلك الملفات المعقدة والمعلقة إلى أجل لا نعلم متى يحين, خاصة وأن إفرازاته أصبحت مؤذية بحق, حتى لتطور دور الدولة المنشود , علاوة على أن طبيعة التحديات والمخاطر المنتظرة تظل مفتوحة على الكثير من الاحتمالات وسوء التوظيف من أكثر من طرف, وهي لذلك تستدعي سماع رأي الجانب الرسمي فيها, والذي ظل بكل أسف غائبا عن حضور تلك الملتقيات. ولكي ندلل على ما نقول فان مجرد عدم حضور الجهات الرسمية لمثل تلك الفعاليات والتي كان آخرها مؤتمر المواطنة هذا, وقبله الكثير من المؤتمرات والورش والندوات كما أسلفت, في ظل تزايد الهواجس الأمنية التي , فإننا نفهم بوضوح أن ذلك الغياب الرسمي وعدم الاكتراث المزمن معناه الوحيد والأوحد هو عدم التوجه الرسمي نحو القوى المجتمعية المختلفة بمزيد من خطوات تعزيز الثقة والسير بطريق تحقيق الشراكة المنتظرة, التي بقينا ومعنا السلطة الرسمية ننادي بها باستمرار, وقدمت مختلف القوى المدنية والسياسية ما يشفع لها باتجاه تحقيق تلك الشراكة الايجابية المنتظرة, والتي قلنا مرارا أنها كفيلة إنْ هي اُعتمدت كنهج رسمي على المستوى الرسمي أن تحقق المزيد من عوامل تعزيز الثقة وترشيد الخطاب العام على مستوى الدولة ككل, علاوة على أنها يمكن أن تفضي مع الوقت نحو تحقيق لغة مشتركة أو متقاربة, وحد أدنى من التفاهم بين مختلف الفرقاء بمن فيهم الجانب الرسمي طبعا, حول العديد من الملفات والقضايا المعلقة, حيث يصبح بعدها ممكنا التوصل ولو تدريجيا إلى حلول بدلا من المكابرة والتصلب في المواقف ومن مختلف الأطراف طبعا, دون التفكير بحكمة واتساع أفق في إيجاد فضاءات أرحب أمام العمل السياسي, وبدلا من التعويل دوما على الحلول التقليدية , التي هي بمثابة التعبير عن انغلاق كل منافذ الحوار البناء, والعمل المشترك بين الحكومة والمجتمع, أو حتى مجرد الاعتراف بضرورة الشراكة المجتمعية, حتى لا تسمح بجر الوطن إلى متاهات يصعب الخروج منها لاحقا, علاوة على مراكمة القضايا العالقة دون حلول, وهي لذلك كفيلة بتعطيل مسار البناء والتنمية وزيادة حدة الاحتقانات, في دولة توافقت جل مكوناتها يوما ولا زالت على المضي قدما في عملية النهوض الحضاري.
 
صحيفة الايام
22 مارس 2009