التطور الإداري ليس إصدار قوانين وتشريعات وربط العملية الإدارية بالتقدم العلمي التكنولوجي وتنظيم الهياكل الإدارية فحسب, وإنما هو أيضا تحقيق مواءمة بين مهام الدولة وحاجات المواطنين وبين البنى الإدارية ووظائفها ومهامها والنهوض بالعملية الإدارية على أسس حديثة وعصرية تعتمد الرقابة والمحاسبة واختيار الموظف المناسب وتأهيله إداريا وعلمياً بمعنى الاهتمام بالعنصر البشري وبدوافعه وحوافزه وإشباع حاجاته ورغباته المادية والمعنوية بشكل يتناسب مع الجهد المبذول ومع كفاءته الإنتاجية ومؤهلاته ومهاراته وقدراته الشخصية وإبداعه وخبرته العملية.
والبحرين خبرتها طويلة في المجال الإداري, ولدينا من الإداريين الأكفاء تبوءوا وبجدارة وظائف إدارية عليا وحققوا نجاحات باهرة لإدارتهم بأفضل الطرق والأساليب فعالية وإنتاجية. ومع ذلك حاجتنا للإصلاح الإداري حاجة ضرورية ولاسيما على صعيد تحديث القوانين والعقليات واعتماد المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص واختيار الموظف المناسب في المكان المناسب.
ومن هنا وحينما نقول إننا في أمس الحاجة لهذا الإصلاح نعني من ذلك من المهم ان نكافح المحسوبية والازدواجية والبيروقراطية في المؤسسات الحكومية والخاصة وان نعالج التضخم الوظيفي في هذه المؤسسات ونعمل جاهدين على تذليل المعوقات الإدارية لتأمين خدمات المواطنين بسرعة وكفاءة, وكذلك لابد من تفعيل لوائح الجزاءات من عقوبة وثواب.
بالطبع هناك من الإداريين في هذه المؤسسات اقل ما يقال عنهم إنهم ليسوا في المكان المناسب. وبالتالي كيف وصل هؤلاء الى الوظائف الإدارية العليا لا تدري؟!! احد الموظفين المتضررين من هكذا إداريين قال: في قاموس هؤلاء الولاء للمسؤول يختصر عليك الطريق للوصول إلى أفضل الوظائف.. واما اقصر الطرق فهو الولاء الطائفي والمذهبي والعقائدي. وقال أيضا: ان الشلة المحيطة بالمسؤول اذا رضت عليك كسبت المسؤول والعكس صحيح, ومن هذه الطرق أيضا اذا كانت اهتماماتك وهوياتك و”عيارتك” تتفق مع اهتماماته وهوياته و”عيارته” بالتأكيد كل الطرق تبدو لك مفتوحة: ومن الأمثلة على ذلك هناك مسؤول مولع «بالحداق» والرحلات البحرية وهناك من يهتم «بالكرة» وهناك أيضا من لديه عقارات و”بزنس” والشلة هي العلاقات العامة لهذا «البزنس» وهي تحظى على نصيب الأسد من الترقيات والعلاوات والدورات و” البونس” في حين من هو خارج هذه الشلة «عليه العوض» حتى لو كان على قدر كبير من التفاني والمؤهلات والتدريب والخبرة العملية والمبادرات, وبعبارة أخرى لا حماية إدارية له وربما لا استمرارية في وظيفته طالما هو خارج السرب, وطالما الشلة لم ترضَ عليه وبالتالي من يحاسب المسؤول؟؟ نعم هكذا تساءل: من يحاسب المسؤول اذا ما ارتكب أخطاء فادحة بحق اي موظف كان؟ هناك لوائح للجزاءات وهناك عقوبات رادعة تضمنتها هذه اللوائح, ولكن وعلى سبيل المثال الى الآن لم نسمع عن مسؤول تمت محاسبته بسبب التمييز الوظيفي!
بالمختصر .. حاجتنا للإصلاح الإداري ضرورية وضرورة مستمرة والحاجة هذه ليست هي فقط تحديث القوانين وإنما العقليات أيضا.. العقليات التي لا تزال تعتقد أنها فوق القانون.
الأيام 21 فبراير 2009