لعلكم تتفقون معي بأن الكثير من المشاكل والأزمات التي تغمر واقعنا المحلي الراهن معظمها ميسور الحل, فقط لو كانت الإرادة حاضرة, والرغبة في المعالجة قائمة, والنوايا صادقة, والجدية واردة, وسياسة النعامة مستبعدة. ولعلكم تتفقون معي أن هناك ولدواع معلومة, من يريد وبإصرار أن يكون مجتمعنا مليئاً بالأجواء والمناخات الباعثة على القلق الحقيقي, خاصة باختلاق المشاكل والمشاحنات واتخاذها ذريعة لإحداث ضجة مفتعلة تشغل الناس وينشغل بها الرأي العام. وربما تتفقون معي أيضاً أن جزءاً من مشاكلنا إن لم تكن الجزء الأكبر هي من ذلك النوع الذي يثيره ويقف خلفه ووراءه ممن يدعون احتكار الوطنية وينكرونها على الآخرين, أو من بعض من سخروا مواقعهم لغايات وأغراض ودوافع ذات صلة بصراعات أو نفوذ أو مصالح خاصة أو فئوية أو مناطقية أو طائفية ومذهبية, كما إن هذه المشاكل قد تأتي من فئة من المسؤولين ممن نجحوا بامتياز في شرعنة اللامبالاة إزاء هموم الناس ومتطلباتهم. وأرجو أن تتفقوا معي على أن أخطر ما يحدث في ساحتنا المحلية, هو أن تصبح الخلافات والاختلافات والتجاذبات أكثر فائدة لمصالح من يغذونها ويبثون سمومها من التفاهم فيما بينهم على وضع حد لها, فهواية هؤلاء لم تعد مجرد دفاع الواحد منهم عن مصالحه تجاه الآخر, بل باتت تشكل احترافاً لتأمين تلك المصالح, وبات كل رأي, وكل طرح, وكل موقف من هؤلاء مهما غلف من شعارات تتلفع بالمصلحة العامة, أو الوطنية, هو مشروع أقل ما يمكن أن يقال عنه بأن يثير عوامل القلق والالتباسات والشكوك والاتهامات بين المواطنين أكثر مما يعبر عن هاجس الرغبة في وحدة الشعب والوطن.
والمؤلم جداً أننا أصبحنا نرى أن كل قضية وطنية صرفة قد تحولت بقدرة قادر إلى مشروع طائفي ومذهبي, ووجدنا ممن يعلنون بأنهم ضد الطائفية هم أنفسهم الذين يتسلحون بها, ويسعون الى أن يكون الوطن جزراً متقطعة الأوصال, ويوسعون حلقات الضلال والفساد ومستنقعات الفرقة والانقسام.
هل يكفي إذا ما أردنا أن نرصد بعض ما شهدته ساحتنا المحلية في الأيام الأخيرة والمعبر عن وجود من يتفنون في صناعة الالتباسات, أن نقف عند حمى طلبات رفع حصانة بعض النواب التي من الواضح أنها جاءت رداً على خلفية طلب رفع حصانة النائب السعيدي, وهو أمر وراءه بعد لا يخلو من النفس الطائفي, وكأن نوابنا أو من يقفون وراء التأزيمات الحاصلة في واقعنا أبوا إلا أن يؤكدوا لنا استمرار نهجهم في المقايضة, وفق مقولة ” واحد منا وواحد منكم “.. !!, تماماً كما حدث في السابق على خلفية استجوابات بعض الوزراء, اذا أردنا حقاً أن نصوب الأمور ونمضي في الطريق الصحيح وليس على طريق «حق يراد به باطل»..! ان رفع حصانة أي نائب, أو استجواب أي وزير, أو مساءلة أي مسؤول, أو محاسبة أي من أصحاب المقامات الرفيعة, لا يجب أن تخضع لمناورات أو ابتزاز أو مقايضة, أو اعتبار ذلك خطاً أحمر. واذا كنا نستطيع أن نستدعي من ذاكرتنا التي تختزن صوراً مكدسة من صور هذا الواقع المأساوي, فإننا لا نجد مناصاً من الإشارة, مجرد إشارة إلى الإشكاليات والمعوقات والمناكفات التي مازالت تواجه لجنة التحقيق النيابية في أملاك الدولة, وجعل المجلس النيابي عاجزاً عن القيام بدوره الرقابي. أما تضييق هامش الحريات, والمحاكمات الجارية لصحافيين وكتاب وهم يساقون إلى النيابة والمحاكم, فهي مشكلة من جملة المشاكل التي بات علينا أن نتصدى لها وبقوة حفاظاً على مستقبل حرية الرأي والتعبير, كما لابد من الالتفات إلى تلك المشاكل التي تتصل بإصلاح القضاء وضرورة رفع جاهزيته وكفاءته لضمان سرعة تحقيق العدالة, إلى جانب مشاكل ذات صلة بالعنف والعنف المضاد في الشارع البحريني, ومشاكل الفساد والتعدي على المال العام, عموماً المشاكل التي يزخر بها واقعنا كثيرة ولكننا نعود ونقول إن الكثير منها ميسور الحل فقط لو كانت الإرادة حاضرة, والنوايا صادقة, والجدية واردة, وسياسة النعامة مستبعدة.
الأيام 20 مارس 2009