انطلقت أمس الاحتفالية التي تقيمها ثلاثة تنظيمات وطنية هي المنبر التقدمي وجمعية وعد والتجمع القومي بمناسبة مرور الذكرى الرابعة والأربعين لانتفاضة مارس من عام 1965المجيدة التي انطلقت في الأساس احتجاجاً على الإجراءات التعسفية التي اتخذت بتسريح أعداد كبيرة من العاملين في الشركة. وهو الأمر الذي هبت الطبقة العاملة البحرينية محتجة عليه, وتضامن معها في ذلك طلبة ومثقفو البلاد وكافة الشرائح والفئات الاجتماعية الكادحة, في الانتفاضة التي استمرت شهورا قدم خلالها شعبنا تضحيات غالية, حيث سقط الشهداء الأبرار من مختلف مناطق البحرين بدءا من المحرق مرورا بالمنامة وصولا إلى الديه ونويدرات وسترة وسواها من مناطق البلاد.
وفي ذلك دلالة عميقة على الوحدة الوطنية للشعب في السعي نحو تحقيق الأهداف المشتركة, وهذه كانت إحدى التقاليد الإيجابية التي تكرست في العمل الوطني في البلاد منذ حركة الهيئة, والتي استطاعت القوى الوطنية المنظمة التي نشطت في البلاد بصورة سرية ومن مختلف الاتجاهات والتيارات الوطنية الديمقراطية والقومية أن تعززها وترسخها في وجدان الشعب من خلال خطاب وطني وديمقراطي عام يربط النضال الوطني بأبعاده الاجتماعية وبالقضايا المعيشية المباشرة للمواطنين. لم تعد قضية ضد النضال الهيمنة البريطانية على البلاد مفصولة عن النضال ضد تعسف الشركات الأجنبية وضد الاستغلال الطبقي. كما بات النضال الوطني أكثر صلة وارتباطاً وتفاعلا مع نضال حركة التحرر الوطني العربية من أجل الحرية والاستقلال والديمقراطية.
واذا كانت انتفاضة مارس 1965 قد عكست الثقل العددي والنوعي للطبقة العاملة في المجتمع البحريني على خلفية الحراك الاجتماعي – السياسي الذي نشط منذ الخمسينات خاصة, فإنها قد تحولت إلى انتفاضة وطنية شاملة كل المناطق والفئات دون استثناء, واستطاعت أن تحقق بعض أهدافها في إعادة العمال المفصولين إلى أعمالهم. لكن الآثار العميقة لهذه الانتفاضة ستمتد لاحقاً وستظهر في بنية وأداء الحركة الوطنية البحرينية وفي خبراتها النضالية والتنظيمية وفي تعزيز خطابها السياسي والفكري وازديادها نضجاً. وانعكست روح انتفاضة مارس ودروسها في مجمل المسيرة الوطنية اللاحقة التي أدت إلى نيل البلاد استقلالها الوطني وفي سَن أول دستور في البلاد وإقامة حياة نيابية عام 1973, التي سبقها مباشرة التحرك العمالي المجيد في مارس 1972 بقيادة اللجنة التأسيسية لاتحاد العمال والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة.
ولا يمكن فهم التطورات السياسية الإيجابية التي بلغتها البحرين في المرحلة الراهنة بفضل خطوات الإصلاح مفصولة أو معزولة عن سياق التاريخ الكفاحي المجيد لشعبنا بانتفاضاته وهباته وتحركاته الجماهيرية, بما فيها انتفاضة مارس بالذات. بعد مرور أربعة و أربعين عاماً على هذه الانتفاضة المجيدة يظل مهماً الحفاظ على أهم ما جسدته وهو الوحدة الوطنية, وحدة فئات الشعب وطبقاته الاجتماعية بصرف النظر عن الطائفة أو المذهب أو الفئة, وصيانة مكاسب الشعب والعمل على تطويرها وتعميقها بالمزيد من الحريات السياسية والنقابية والحريات العامة, خاصة حرية التعبير عن الرأي بمختلف أشكال الاحتجاج السلمية, وحرية الصحافة والتنظيم, وإيجاد آليات الحوار المستدام والشراكة بين الدولة والمجتمع.
الأيام 19 مارس 2009