في يونيو 2005 حرَّكت ثُلةٌ من القضاة قضية ضد الناشطة غادة جمشير بتهمة إهانة القضاء الشرعي، فكتبت آنذاك مقالاً قلت في طياته:
‘’إذا ما كانت هنالك – حقاً- تهمة تُسمى إهانة القضاء الشرعي، فحريٌّ أن توجه لأولئك القضاة الذين أساؤوا إلى القضاء البحريني. فتجاوزات بعضهم ثقيلة تخرق ناموس الدين والخلق القويم، ولكنَّ الإحساس بالعار الذي تغذيه التربية الشرقية في إناثها يدفعهن للانطواء والانكفاء، فتبلع الواحدة منهن شظايا كرامتها مؤثرةً الصمت على تحمُّل مجتمع لا يرحم.. وما تغذت أخطاء القضاة إلا على صمت هؤلاء، حتى فاجأتهم موجة الرأي العام التي زلزلتهم، بعد أن كان كل منهم يظن أنه ملكٌ منزل.. ولم يجدوا أسلوبا أفضل للتعامل مع تلك الموجة سوى الاتهام والتهديد والملاحقة’’ ..
كان ذلك مقتطفا من مقال لمحدثتكم التي مرت بها السنون وتواجه -هي- اليوم التهمة ذاتها في محاولة لتركيعها، وضرب مصداقيتها وهزِّ صورتها أمام الشارع البحريني..
لماذا الآن؟!
سؤال مرّ بخاطري وبوجدان كثير ممن تابعوا مسيرتي منذ العام 2002 فما كتبته عن القضاة في سلسلة ‘’العار’’ ليس سوى شذرات مما كشفت ستره على مدار السنوات الماضية في سلاسل من التحقيقات والأعمدة الصحفية التي نشرت فيها ما هو أشنع من تلك التي نشرت مؤخراً؛ تكلمت فيها عن رِشاً وتجاوزات مالية وأخلاقية وأحكام شاذة ومجيرة وظالمة.. وإن كان محور وجوهر سلسلة العار هو الرد على خصوم قانون الأحوال الأسرية.. ففي سلاسل مضت كان الحديث موجهاً -بشكل صِرف- لنقد المحاكم وتعرية التجاوزات التي تكتم حوائط الردهات أسرارها.. فلم الآن؟!
البعض قال إن أظافري قد طالت كثيراً وحان وقت تقليمها.. فيما أصرَّ الآخرون على أن القضية هي قطاف مقالات ومواقف أخرى، وأياً كان السبب فلست بـ’’ضاجة’’ بالقضية.. ولا أعترض على مبدأ محاسبتي، بل أرحب بمحاكمة عادلة أقف فيها لأقول إن الصحافة ليست إمَّعة ولا مطية ولا مزماراً ينفخ بطرفه ليسيل ألحاناً؛ بل هو سلطة مستقلة تراقب وتضغط وتحرك ما هو راكد وتذيب ما هو جامد.. وتواجه – ولابد- إن اقتضى الأمر المواجهة..
ما ضاق صدري بالقضية أقول.. بل ضاق بالأقنعة التي سقطت.. فالشيزوفرينيا التي تعاني منها البلاد عندما يأتي الأمر لقيم الديمقراطية قد تمثلت في قضيتي.. فكثيرون ممن يتشدَّقون ليل نهار بحرية التعبير ويتغنون بدور الصحافة انبروا للتشكيك -علانية- بحِرَفيتي ودمغت بالتهور والشطط والعناد -وبكل ما يحتمله الموقف من وصمات التسطيح والتقزيم- لا من العامة بالطبع بل من أبناء المهنة!!
وأولئك قلة بالطبع قبالة قوافل ممن وقفوا مع حق الكلمة بمقالاتهم، كعادل المرزوق، وفيصل الشيخ، وقاسم حسين، وحسين خلف، وفريد أحمد حسن، ومحمد العثمان، ومحمد السواد، غسان الشهابي ورضي الموسوي، مع حفظ الألقاب لهم جميعاً..
كما وغمرني الموقف المشرف لجمعية الوفاق وشخوصها الذين سارعوا بإصدار بيان ـ رغم كوننا نقف بعد المشرقين في قضية الأحوال الشخصية موضوع الحديث ـ إلا أنهم دافعوا عن حقي في إبداء رأيي وإن خالف قناعاتهم.. وكذا المنبر التقدمي الذي كان الزميل د.حسن مدن أول من عرض عليَّ كل أشكال الدعم.. والاتحاد النسائي والعزيزتان مريم الرويعي ود.وجيهة البحارنة، الذين تابعوني يوماً بيوم.. وجمعية وعد والإخاء الوطني.. والمنظمات العالمية كالأيريكس وهيومن رايت واتش بمبادرة ومتابعة حثيثة من نبيل رجب وغيرهم ممن لا تتسع السطور لذكرهم..
لقد كشف لي هذا الموقف معادن كثيرة.. كما واختبر ما بيني وبين القراء من عمار كبير.. القراء الذين حفوني بالدعاء والمتابعة وبدوا قلقين عليَّ أكثر مما قلقت أنا على نفسي..!! فإن لم يُعطني العمل الصحافي شيئاً – وقد أعطاني الكثير- فيكفي أنه مدّ بيني وبين أناس لم أقابلهم قط جسورا وأوشاجا لا ثقدر بثمن..
الوقت 15 مارس 2009