بعد نحو شهر ونصف من إطلاق المنبر التقدمي مبادرته للحوار الوطني الشامل ما زالت تثار أسئلة من نوع: الحوار مع مَن؟ أو الحوار بين مَن ومَن؟. وهو أمر أسهبنا في شرحه خلال الأسابيع الماضية عبر وسائل الإعلام المختلفة:ا لصحافة والتلفزيون, وكذلك في الندوات والملتقيات التي نظمت على خلفية هذه الدعوة.
والأمر يتلخص في عبارةٍ واحدة هي أننا ندعو إلى حوار وطني شامل, وشمولية الحوار تعني إننا ندعو لأن يشترك فيه كل من يريد للوطن أن يعبر حالة الاحتقان التي نحن فيها. ونعجب من أولئك الذين يكتبون متهكمين حين يقولون إن من يسمع عن الدعوات للحوار يحسب أن في البحرين مشكلة, بينما الأمور ليست كذلك.
لن نجادل كثيراً في الرد على هذا القول تحاشياً للحكمة القائلة: «حدث العاقل بما لا يعقل, فان صدق فلا عقل له», بل سنكتفي بالقول: نحن نريد الحوار لكي نبلغ اليوم الذي نفتح فيه صحفنا اليومية, فلا نجد صورة لحافلة أو سيارة أتت عليها النيران, ونريد الحوار لكي لا نرى صورة حاويات عند مداخل القرى وهي تشتعل, ونريد الحوار لكي لا نسمع أو نقرأ عن اعتصام غير مرخص فرقته الشرطة بالقوة, أو عن اعتصام مرخص تحول في نهايته الى مسيرة غير مرخصة, جوبهت بمسيلات الدموع والرصاص المطاطي. نريد الحوار لكي لا نقرأ أخباراً عن القبض على مشاركين في أنشطة غير مرخصة, ولكي لا نقرأ تقاريراً عن سوء معاملة الموقوفين, ونريد حواراً لكي لا تصدر تقارير تقول إن مكانة البحرين في سجل حقوق الإنسان نزلت درجة أو درجات, لأننا نريد لهذا الوطن أن يتقدم دائماً.
ونريد الحوار الوطني الشامل لكي لا يقف إمام جامع من هذه الطائفة أو تلك ليقول في خطبة الجمعة ما يُفهم منه انه اساءة للطائفة الأخرى. ونريد الحوار الوطني لكي نتفق, في المجتمع والدولة, على أن يكون خطابنا السياسي رشيداً وعقلانياً, يفرق بين نقدنا لأداء الحكومة في أي مجال من المجالات, وبين حرصنا على حفظ مهابة الدولة ومحورية دورها في حياة المجتمع وأبنائه.
أهمية مبادرتنا للحوار الوطني بعد نحو شهر ونصف على انطلاقها تزداد ولا تنقص فالتطورات تؤكد أن الخيار الذي اقترحناه وسيلة للتغلب على الوضع الناشئ هو الخيار الصحيح الذي يمكن أن يُجنبنا المزالق, ويحفظ للبلد استقرارها وهدوء الأوضاع فيها, حتى ننصرف جميعاً نحو المهام الأهم: مهام التنمية, ومهام بناء مؤسسات المجتمع المدني الحديث, وخلق أرضية لتطوير التشريعات الضامنة للحريات, بدل خلق الذرائع للمزيد من التقييدات على هذه الحريات.
نقلت الصحافة عن بعض من حضروا لقاء جلالة الملك مع فعاليات المحافظة الشمالية قول جلالته ان الاصلاح, شأنه شأن أي شيء آخر بحاجة الى ترميم للحفاظ عليه, وبهذا القول يعطي رأس الدولة درساً للمتطيرين من أي نقد للأوضاع, ومن أي دعوة لتصحيحها, ويتسابقون في التهكم على دعوات الحوار, كأنهم لا يعيشون في البحرين, ولا يتابعون ما يدور فيها, ولا يرصدون مسارات الحراك التي تتطلب منا جميعاً اليقظة الوطنية العالية لتجنيب الوطن كل ما يأتي منه الضرر.
الأيام 15 مارس 2009