عبر صعود قوات (الحرس الثوري) عن استيلاء عسكريين شعبويين مدعومين من بعض الملالي على السلطة الحقيقية في إيران. وهي الحقبة نفسها التي صعد فيها الرئيس الإيراني الحالي أحمد نجاد الذي (اتى من فصائل الحرس الثوري واعتمد على رافعتها في كل جوانب حركته)، الحياة، نسيم ضاهر، 5 مارس .2009 تفسر الظاهرتان بعضهما، فثمة جهاز عسكري مسيطر صاعد بقوة، ورئيس صعد بقوة وبخطاب شعبوي تحريضي ضد الإصلاح والسلام والتقدم في المنطقة، فالحرس غير الثوري يخاف من غضبة الجماهير الإيرانية ضد سطوته، فأغلبية الشعب الإيراني التي خدعت بخطابات نجاد ضد الفساد والرأسمالية والغرب اكتشفت ولا شك الثمن الفادح لمثل سياسة المواجهات التي شنها نجاد على كل صعيد واستهدفت جيوبه في خاتمة المطاف. استهدفت رؤية نجاد السياسية من جهة أخرى بقاء سطوة الحرس وإستغلاله، فهذه السياسة المتشددة تهدف لحماية استغلال الحرس للموارد العامة، وانتشاره في كل مكان بدعوى حماية الثورة! يروي لي مهندس عربي زار بندر عباس لمهمات عملية كيف أن ضباط وقوى الحرس تتغلغل في أعمال اقتصادية بعيدة كل البعد عن النشاط العسكري، ورأى مسؤولاً من الحرس يشتري البترول بأسعار مخفضة ويبيعه في السوق بزجاجات صغيرة عادية في الشوارع وبأثمان مجزية! إن دخول قوات الحرس بهذه الكثافة والتوسع والاستغلال في النشاط الاقتصادي، وحتى القيام بصناعات كبرى متعددة، يدل على تحول الحرس إلى أخطبوط عسكري اقتصادي سياسي. إنه اللاعب الأساسي في الساحة الإيرانية الآن، وأي تحول نحو العلاقات السلمية والديمقراطية يغدو مرفوضاً، فكان نجاد ومازال هو وجه هذا الحرس وصوته وأداته لتوسيع الأزمات في المنطقة وإشعال التوترات المختلفة. ومن هنا كان الانفاق العسكري العالي مفيداً لهذه القوات، والتي تتحول للجيوب، ثم تظهر على صعيد التجارة والاقتصاد، وعمليات الخصخصة، التي كلها لا تستطيع أن توقف تصاعد التضخم وارتفاع البطالة. لقد استفادت الطواقم العسكرية – الدينية من الفورة النفطية السابقة في إنعاش أعمالها الخاصة، وأثارت المنطقة بعواصف عدة، خاصة فيما يُسمى الملف النووي، وحروب لبنان وغزة والعراق واليمن، والادعاءات في البحرين، لأهداف تشتيت انتباه الشعب الإيراني للخارج، وإبعاد اهتمامه عن قضاياه المتفاقمة، وإحداث حالة تأزيم تصور إيران بالمُعتدى عليها والمهاجمة والمحاصرة، بهدف استمرار قبضة الحرس على أعناق الناس وأرزاقهم. وكان هذا يستدعي تشديد الخطاب الديني وإبعاده عن الانفتاح والتعبير عن مصالح أغلبية الشعب.
كذلك فإن قميص عثمان الشرق أوسطي، أي قضية فلسطين، تم رفعه في كل لحظة، وكلما حاول أصحاب القضية حلها بكل وسائل النضال، من حوار وقوة، ظهر القميصُ في طهران ليحرفهم عن نضالهم وتوحدهم، مثلما فعل في لبنان. لقد اختبر العربُ كثيراً مثل هذه الثورية الزائفة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، وطالما ذوقتهم الأنظمة العسكرية والجماعات الإرهابية الويل وهي ترفع هذا القميص الدامي، وفي ذات الوقت تنزل على رقابهم بالعسف، وفي النهاية لم تفعل شيئاً لفلسطين بل وسعت الاحتلال ثم ذهبت مع صراخها. ويبدو ان الساسة الإيرانيين الكبار لا يعرفون مثل هذا التاريخ وخبرة الجماهير العربية، ولكنهم جلبوا وسائل جديدة مبتكرة ودعاية مختلفة، لكن الحصيلة هزيلة وكارثية بكل معاني الكلمة. ومن المؤكد ان انتخابات الرئاسة الإيرانية القادمة بعد شهور قليلة ستكون تجربة اختبار للطرفين: القبضة العسكرية ومدى احكامها على عنق الشعب، ومدى قدرة الناس على التخلص من هذه القبضة، بشروط النظام الديني الشمولي مع هذا. أي أن النظام الشمولي حتى لو فاز خاتمي مرة ثالثة فسوف يلتفُ عليه، وتواصل طبقته العسكرية – الدينية الحاكمة الإمساك بزمام السيطرة العامة، وإن كان خاتمي سوف يوجد مناخاً جديداً لنضال الشعب، في حدود بعض الحريات الليبرالية المحدودة. ولكنه سوف يخفف من التوترات بين إيران وجيرانها، ويدع التشدد الذي عزلها عن العالم. وسوف يوسع قاعدة المعتدلين ويوقف البرنامج غير المعلن لصنع القنبلة النووية. لكن هل ينتصر؟ وهل يقبل قادة الحرس (الثوري) زوال سيطرتهم على الموارد؟ هذا ما سوف تكشفه الانتخابات القادمة وتطوراتها، والتي تحتاج من القوى الديمقراطية واليسارية الإيرانية إلى التوحد وجعل الانتخابات نقطة تحول عميقة وألا تكون هامشية في المجتمع.
صحيفة اخبار الخليج
12 مارس 2009